سياسة

ملف الاحد: الملفات الاجتماعية الحارقة التي تواجها حكومة أخنوش من “تنمية مستدامة” الى “محنة مستدامة “

أمام الانتظارات الكثيرة والملحة للمواطن المغربي، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها وهي تقارب نصف ولايتها مدعوة إلى تجسيد مفهوم الدولة الاجتماعية، من خلال تنفيذ توصيات لجنة نموذج التنمية الجديد، وكذا برنامجها الحكومي الذي حاولت الموازنة العامة ترجمته إلى أرقام ومخططات.

ومع مواجهة أثار الجفاف ودخول الحكومة في تنزيل الاوراش الملكية، تطفو على السطح الملفات المطروحة على الجهاز التنفيذي، والمتعلقة بالصحة والتعليم والشغل والتفاعل الإيجابي مع الحركات الاحتجاجية السلمية وتكريس دولة الحق والقانون والالتزام بقضايا الحريات وحقوق الإنسان، علاوة على تكريس مفهوم «العدالة المجالية»، من خلال السعي إلى تحقيق تنمية متوازنة بين مختلف المناطق، عوض التركيز على الأقاليم الكبرى ذات الجاذبية الاقتصادية.

فالانتخابات الجماعية والتشريعية  ل 8 شتنبر من عام 2021، و التي أفرزت نتائج سيطرة ثلاثة أحزاب على المشهد السياسي و اندحار الحزب الإسلامي للعدالة و التنمية  الذي تولى الحكومة لولايتين متتاليتين غير أن  حكومة أخنوش مباشرة بعد توليها زمام الأمور فاجأت الناخبين والرأي العام، بالنظر إلى بعض الإجراءات التي اتخذتها وكانت لها انعكاسات اجتماعية سلبية، مثل تسقيف سن ولوج مهنة التعليم في ثلاثين سنة و مخلفات النظام الأساسي الذي أدخل المملكة في احتجاجات جديدة، ما كان له الأثر الكبير على صورة هذه قرارات أخنوش لدى المواطنين، وما سيكون له أيضا من انعكاسات على الملف الاجتماعي في السنوات المقبلة وقضية التشغيل، وعلاقة التعليم بسوق الشغل. هذا علاوة على الاحتجاجات الاجتماعية الأخرى، والتي عمت مختلف أقاليم المملكة فضلا عن إقصاء الاف من الاسر من الدعم الاجتماعي و بطاقة تضامن الصحية و ذلك بفعل فشل المنظومة الالكترونية و الساهرين على الورش الملكي الذين لم يتمكنوا من التجاوب مع إنتظارات الفقراء و الذين جعلهم المؤش الاجتماعي الفاشل الى دعوتهم لأداء الانخراطات الشهرية للضمان الاجتماعي وهم لا يكسبون حتى وقت عيشهم.

و حاول ملف التعليم و مدونة الاسرة إعادة الإسلاميين في حزب العدالة والتنمية إلى الواجهة مجددا، وكذلك الحريات الفردية التي أعلن وزير العدل، أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة، دعمها وتعديل القانون الجنائي بحيث يتم حذف بعض البنود ذات الارتباط بالعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الأسرة، والإفطار في رمضان».و أن مثل هذه الخرجات سوف يكون «هدية إلى حزب العدالة والتنمية الذي يبحث عن ورقة يعود بها إلى الشارع ويستعيد بها عافيته»،رغم ان المبادرة الملكية لتجديد قوانين مدونة الاسرة ستعيد نقاشا واسعا داخل دواليب المتطاحنين من المحافظين و الحداثيين.

و تواجه حكومة اخنوش ملف عودة المقاتلين المغاربة في صفوف التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق، خصوصا تنظيم «داعش»، وأفراد عائلاتهم الموجودين حاليا في السجون العراقية، لأن الحزب الثاني في الحكومة الحالية، الأصالة والمعاصرة، هو الذي قاد قبل الانتخابات مبادرة داخل البرلمان من أجل تشكيل لجنة استطلاعية برلمانية لبحث الموضوع، واليوم هذا الحزب لم يعد في المعارضة، بل هو طرف مهم في الحكومة».

أما المرحلة الحالية هي نهاية مرحلة تنفيذ «النموذج التنموي الجديد» وهو مشروع ملكي بامتياز، ينظر إليه الكثيرون باعتباره خشبة خلاص لإخراج المغرب من الأزمة الاجتماعية وفتح سبل المستقبل أمام الشباب، وفي نفس الوقت يعتبر هذا النموذج اختبارا حقيقيا لنوايا الدولة في الشق الاجتماعي، لجهة قدرتها على تنفيذه واقعيا، وتجاوز الأخطاء التي طالت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005 .

رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يتحدث بتفاؤل عن مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، حيث قال في اجتماع لحزبه «التجمع الوطني للأحرار» إن الحكومة استطاعت في ظرف وجيز استكمال الترسانة القانونية لتمكين حوالي 11 مليون مغربي ومغربية من الانخراط في نظام التغطية الصحية الإجبارية عن المرض لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلا أن واقع الحال فمختلف الاسر و الفقراء وجدوا أنفسهم أمام نظام معلوماتي خطير عمد الى إقصائهم من الدعم و الحماية الصحية و ذلك بفعل معطيات غير دقيقة او الاعتماد على رقم الهاتف و الأنترنيت و كذلك غياب معاير دقيقة للاستفادة.

وقرر الحزب المذكور تنويهه باحترام الحكومة الدقيق للجدولة الزمنية للتنفيذ التدريجي للورشة الاجتماعية والذي هو ورش ملكي بامتياز فلا دخول للأحزاب و لا لأخنوش فيه رغم ان مجموعة من الساسة فحتى رئيس الحكومة يحاول الركوب على الإنجازات الملكية و احتسابها له و لحكومته و الذي تجده يتبجح في لقاء حزب الاحرار بما تحقق و هي محاولة مخادعة للراي العام التي يعتمد عليها أتباع” الحمامة”.

في حين تقدم المعارضة قراءة مغايرة للمشهد السياسي الحالي في المغرب، ففي آخر اجتماع لأحزابها تحدث بيان عن حجم الأضرار التي لحقت، وما زالت تلحق، بقطاعاتٍ اقتصادية واجتماعية وثقافية وخدماتية، وبالفئات المُستضعفة والفقيرة.

وأثارت المعارضة انتباه الحكومة إلى وجوب التوفيق بين مستلزمات الوضع الاجتماعي من جهة، وبين متطلبات المواكبة والدعم والعناية إزاء كافة القطاعات والفئات التي تئن أكثر من غيرها تحت وطأة الانعكاسات الوخيمة.

وسجلت المعارضة أن البرنامج الحكومي، لا يوجد فيه ما يعطي الانطباع بأن الحكومة جادة فعلا في الاستجابة لانتظارات سكان الأرياف والجبال، والإنصات لنبض هذه المناطق التي مازالت تعيش على وقع التهميش والاقصاء والعزلة، والحكومة عاجزة بأن تجعل منها فضاءات لخلق الثروات ولتحقيق الاندماج الاجتماعي والاقتصادي وفق منظور قائم على الاستدامة.

ودقت المعارضة ناقوس الخطر حول تدهور الوضع في المناطق الريفية والجبلية التي تزداد عزلتها مع فصل الشتاء وتساقط الأمطار رغم مرور المغرب بسنوات الجفاف و التي سيكون لها انعكاسات جديدة، مما يجعل عشرات آلاف الأسر تعيش في “محنة مستدامة” عوض “التنمية المستدامة “،فيما غابت مبادرات مجالس الجهات عن دعم العالم القروي وغياب تنزيل مخططات الإغاثة التي سبق و أن دعا اليه جلالة الملك مباشرة بعد زلزال الحوز الذي عقد من مهام الحكومة و انه لولا التدخل الملكي لعاش الضحايا و المتضررين ويلات الجوع و التهميش مع الحكومة الحالية اليت فقدت وعيها وبوصلتها لمواجهة الملفات الاجتماعية المتعلقة بالكوارث الطبيعية.

ويعتبر أن سكان تلك المناطق ما زالوا يعانون من اختلالات بنيوية تهم مجالات أساسية كالفلاحة والتعليم والطرق والبنيات التحية والولوجية، وكل المرافق العمومية الحيوية بالإضافة إلى ضعف الاستثمارات، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على تنافسية الاقتصاد القروي وعلى بنياته الإنتاجية والاجتماعية وبالتالي على المستوى المعيشي للساكنة.

وتواجه الحكومة مطالب المعارضة بالتخلي عن لغة الطمأنة المتزايدة والمتسمة بالغرور والكذب على المواطنين الدفع الى تقديم عرض سياسي جديد يجيب عن الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية الراهنة التي لا يجب التعامل معها وكأنها منعطفات عابرة.

فتنزيل الاوراش الاجتماعية ومواجهة مشاكل القطاعات الوزارية والدفع بالتغلب عن أثار الزلزال والالتزام بالمبادرات الملكية اتجاه الضحايا وأهالي الحوز قد يكون مناسبة للتخلي عن لغة الطمأنة المخادعة للذات أولا، واستبدالها بخطاب الوضوح والمكاشفة، وسلوك سبيل الإنصات والحوار من أجل عبور هذه المرحلة الدقيقة، التي لم تعد تسمح بتغليب الأنانيات والمصالح الذاتية وكل أشكال الاحتكار والتغول.

وبات من الضرورة تقديم عرض سياسي جديد يجيب على الاختناقات الاجتماعية والاقتصادية وكيفية مواجهة اثار الجفاف لسنوات متعددة ووقف نزيف غلاء الأسعار والمحروقات والتي لا يجب التعامل معها وكأنها منعطفات عابرة، بل ثمة مؤشرات كثيرة في الوضع العالمي تشير إلى استدامة لحظة الأزمة لتتحول إلى معطى بنيوي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى