مقال تحليلي : منتدى السياحة الاستشفائية بجهة فاس مكناس: حين تتحول الآمال إلى سراب و تبعثر لأوراق المنظمين

في خضم الترويج المتسارع لمنتدى السياحة الاستشفائية بجهة فاس مكناس، الذي عقدت جلسته الإفتتاحية أمس الخميس 10 أبريل برحاب الجامعة الأورومتسوطية و الذي أختير له شعار” المياه الحرارية بجهة فاس مكناس صحة و سياحة ” ليستمر على مدار ثلاثة أيام، و الذي حضره والي الجهة معاذ الجامعي و عمال و رئيس الجهة و منتخبون و مدعون ،و خلال كلماتهم الافتتاحية، أكد المسؤولون على أهمية المنتدى في تسويق المؤهلات السياحية للجهة، وتحويلها إلى وجهة جاذبة على مدار السنة. كما أشاروا إلى غنى الجهة بالموارد الطبيعية والتراثية، التي تستدعي التفاتة من جميع المتدخلين، وعلى رأسهم وزارتا الثقافة والسياحة. كان هناك شيء واحد في الجلسة لا يمكن تجاهله: تبعثر أوراق نائبة رئيس الجهة المكلفة بالإنعاش السياحي بالجهة التي كانت ستلقى خلال الكلمة الافتتاحية وهو ما يوحي بتعثر أحلام المنتدى، و تمامًا كما تبعثرت آمال وتطلعات المواطنين و ساكنة الجهة في محيط هذه المنطقة التي كانت تعول على هذا المنتدى كفرصة للنهوض بقطاع حيوي، أملته التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
منتدى السياحة الاستشفائية في الجهة كان يحمل شعارًا كبيرًا حول تطوير السياحة الصحية، ولكنه بدلاً من أن يكون منبرًا للابتكار والتطوير، تحول إلى مسرح ليراكم الإخفاقات وتكريس التهميش المقصود بعد أن ولد ميتا. و قرر المنظمون ان يسلطوا الأضوء على عدة محطات مع تغييب عين الحمراء بجماعة أجدير بتازة من أي برنامج او حتى ذكرها، وهو يعد بمثابة إقصاء صارخ لمنطقة تاريخية تحمل بين جنباتها ذاكرة مغربية غنية. عين الحمراء ليست مجرد نقطة مياه استشفائية، بل هي جزء من تاريخ البلد، حيث زارها المغفور له محمد الخامس وأطلق عليها اسم “عين الرحمة المباركة”. هذا التغييب لمنقطة معقل المقاومة المغربية عن المنتدى كان صفعة جديدة لحقوق المنطقة في السياحة الاستشفائية، بل إنه يفتح باب الأسئلة حول سياسات التوزيع العادل للموارد في هذا القطاع،مع العلم ان عين الرحمة تعرف توافذ منقطع النظير للزوار و أفراد الجالية .
أما ما حدث في المنتدى نفسه فقد كان كارثيًا، حيث تم عرض شريط فيديو يُظهر محطات استشفائية من مختلف مناطق الجهة، لكنها لم تكن سوى واجهة فارغة لمشاهد البؤس لم ينقل ما خلف الستار، حيث تفتقر هذه المحطات لأبسط معايير البنية التحتية. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة لتسويق هذه الأماكن باعتبارها وجهات سياحية جذابة، إلا أن الواقع كان أكثر مرارة: خيام تغطي الجوانب،و بيوت من القصب، وسيطرة موالين لبعض رؤساء الجماعات على مناطق استشفائية بعينها، كما هو الحال في جماعة سيدي أحرازم و حامة مولاي يعقوب و عين الله، التي تُركت لتسير وفق مصالح ضيقة بعيدة عن تطوير السياحة الاستشفائية الحقيقية.
في المقابل، كان التركيز في المنتدى على الحامة الاستشفائية لمولاي يعقوب، التي لطالما اعتُبرت قلب السياحة الصحية في المغرب، لكن المنتدى اختار أن يلقي الضوء على الحامة التابعة لمؤسسة فندقية دولية عملاقة، وتوجهها نحو الطبقات البورجوازية، مما يثير العديد من التساؤلات حول العدالة المجالية في تدبير هذا القطاع. أما الحامة القديمة، فقد تم تهميشها، وتعرضت للإهمال في مشهد مؤلم يعكس الفجوة الكبيرة بين الفئات الاجتماعية المستفيدة،فيما الحامة الجديدة الموجهة لعامة الشعب فإنها تعاني من الضغط و الإختلالات و محاصرتها بالباعة الجائلين فحتى الطرقات اليها منعدمة و كارثية.
أما في حامة عين الله بإقليم مولاي يعقوب، فقد تم صرف الملايير من المال العام من أجل إعادة بناء وحدات جديدة، ولكن التدبير السيء و سرعة المجلس الجماعي بتفويتها الى شركة في ظروف غامضة جعل هذه الحامة الجديدة تعيش في وضعية اختلالات متتالية مما سلط عليها سيف المصالح المركزية التي تواصل فيها تحقيقات، بينما تدهورت الحامة القديمة، وتركها مسؤولو المنطقة لتسقط تدريجيًا. حتى مركز الحامة لم يكن يحترم أبسط المعايير، حيث لا يتوفر على مقهى أو مطعم لائق، واعتمد الأهالي على الخيام وبيوت القصدير لاستقبال الزوار. وهو أمر يبعث على الأسى ويظهر بشكل جلي كيف يتم إهدار المال العام دون رؤية حقيقية لتطوير القطاع.
لكن الأسوأ من ذلك، هو طريقة تنظيم المنتدى ذاته، حيث استخدم مجلس جهة فاس مكناس أموالاً عامة لتنظيم منتدى لن يحقق أهدافه الأساسية في تحسين وضع السياحة الاستشفائية ما لم يحسم في التنمية المجالية و تنزيل منطق الحوكمة . كان من المفترض أن يساهم المنتدى في إعادة تأهيل المحطات الاستشفائية وتوجيه الأنظار نحو مناطق مهمشة، لكن ما حدث كان بعيدًا عن هذا الهدف. وتبقى الأسئلة المحورية التي تطرح نفسها: لماذا تهيمن شركة واحدة على صفقات تنظيم المنتديات والمعارض في الجهة؟ كيف يمكن لشركة واحدة أن تسيطر و تستحوذ على جميع الأنشطة والفعاليات السياحية في الجهة لسنوات طويلة؟ كيف يتم تنزيل احترام قانون الصفقات في هذا السياق؟
وفي هذا الصدد، يبقى رئيس مجلس الجهة عبد الواحد الأنصاري، الذي بات يقدمه والي الجهة الجامعي كمحامٍ ورجل قانون و لايمكن الترافع وراء مدخلاته في وضع محرج أمام الرأي العام. من المهم أن يُجيب عن تساؤلات المغاربة بشأن إجراءات الشفافية والنزاهة في إبرام الصفقات المتعلقة بتنظيم هذه الأنشطة، وأسباب الاحتكار المستمر لهذه الشركة في تدبير شؤون الجهة و التي تعود الى إخوة و عائلة باتت من أثرياء الجهة بعد ان غادرت التعليم في إطار المغادرة الطوعية لتدخل عالم التواصل و تنظيم المعارض و المنتديات و كأنها تشتغل وفق مرسوم و ليس وفق قانون الصفقات.
و يواجه القطاع السياحي بجهة فاس مكناس تحديات كبيرة تتراوح بين الممارسات المشينة لبعض المستثمرين، الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب التنمية الحقيقية، إلى الصراعات الداخلية في المجلس الجهوي للسياحة و الذي لن يستقيم بين الرئيس الحالي السنتيسي الذي بدو ضعيفا في مهامه و مع خصمه اللذوذ عزيز اللبار الرئيس السابق الذي تمت تنحيته وفق صراعات الكبار،و هو ما يساهم في عرقلة أي مبادرات لتطوير السياحة الاستشفائية. إذ يبدو أن الخلافات بين الأفراد والهيئات المختلفة قد أدت إلى تأخير أو حتى تعطيل الكثير من المشاريع التي كان من المفترض أن تدفع بالقطاع إلى الأمام.
علاوة على ذلك، يعاني القطاع السياحي في الجهة من نفور السياح، خاصة الأجانب لان الجهة لا يتم الترويج لها وفق دراسة مجالية توزع إستقطاب السائح للإقامة و كذلك بسبب غياب خطوط الطيران السياحية و ليس المخصصة للجالية التي يباشرها مطار فاس سايس ، فالمغاربة في الداخل قد يتوجهون إلى هذه الوجهات الاستشفائية بسبب قربهم منها، لكن السياح الأجانب لا يجدون في فاس مكناس وجهة تنافسية، خاصة وأن المنطقة تُعتبر في نظر الكثيرين منطقة عابرة، لا تقدم ما يبحثون عنه من خدمات متكاملة أو تجربة سياحية مميزة.
وفيما يتعلق بالتوجه نحو السياحة الاستشفائية، فإن العديد من السياح الأجانب ليس لديهم اهتمام كبير بهذا النوع من السياحة، خاصة أن بعض المياه المعدنية المتوفرة في المنطقة تحتوي على نسب عالية من الصوديوم ونترات الزنك و الزئبق، وهو ما قد يكون غير مناسب لصحتهم. بالإضافة إلى أن المياه الحارة قد تشكل خطراً على جلدهم، حيث لا تتحمل البشرة الأجنبية درجات الحرارة المرتفعة بشكل مشابه للبشرة المغربية. لذلك، يُلاحظ أن هذا النوع من السياحة قد يكون أكثر جذبًا للمغاربة في الداخل وللجالية المغربية بالخارج، حيث يشكلون الفئة الأكثر اهتمامًا بالسياحة الاستشفائية لكنهم يجابهون بتنطح المستثمرين الذين يعتبرون فرصة و “همزة”.
قبل الشروع في تنظيم المنتديات والتظاهرات الكبرى، كان من الأولى الاهتمام بالبنيات التحتية في المنطقة وتطويرها بالشكل الذي يتناسب مع احتياجات السياح والمستثمرين. فالأمور لا تتوقف عند التنظيمات الفعالية، بل يجب أن تُبنى أسس القطاع السياحي على التحسينات الحقيقية في البنية التحتية والخدمات الأساسية. وقد كانت وعود وزيرة السياحة التي زارت فاس مرارًا وتكرارًا، وأكدت على تأهيل العديد من المحطات الاستشفائية، مجرد أقوال انتخابية لا تنعكس على الواقع، حيث تبقى الوعود في واد والواقع في واد آخر، مما يعمق الفجوة بين التصريحات والخطط التنموية من جهة، والواقع الفعلي الذي يعيشه المواطن والزائر من جهة أخرى.
في الختام، يُظهر منتدى السياحة الاستشفائية بجهة فاس مكناس صورة قاتمة عن تبعثر الأحلام والإقصاء الذي يطال القطاع السياحي الاستشفائي في المنطقة. إذا كانت السياحة الصحية تمثل رافعة اقتصادية للجهة، فإن الاختلالات الفادحة في إدارة هذا القطاع تهدد بإفقاد المنطقة فرصة نادرة للنهوض اقتصاديًا. والمطلوب اليوم هو إعادة النظر في السياسات المعتمدة، ومراجعة حقيقية لتوزيع الموارد بين المناطق، بعيدًا عن المحسوبية والتهميش الذي يعاني منه المواطن المغربي و مواصلة تغييب السياسة المجالية.