مدونة الاسرة تشعل حرب البلاغات بين الاسلاميين و الحداثيين
أثار تصريحات صلاح الدين أبو الغالي، عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، بخصوص النقاش العمومي حول تعديل مدونة الأسرة، العديد من التساؤلات، بشأن المرحلة الجديدة لـ”التراكتور”.
وأعاد أبو الغالي، إحياء الخطاب الذي يغلب عليه الطابع الصدامي مع الإسلاميين، والذي كان قد تجاوزه الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، بل واعتذر عنه وقت انتخابه على رأس “الجرار”، مؤكداً أن حزبه لم يأت لمحاربة الإسلاميين، ولم يستبعد إمكانية التحالف مع “البيجيدي”.
تصريحات وهبي وقتها، لم تعجب العديد من أعضاء المجلس الوطني للحزب، حيث اعتبروها تراجعاً عن الأهداف التي تأسس لأجلها “الجرار”، وانحرافاً كبيراً عن التصوّر، ودفع العديد من منتخبيه إلى الانسحاب، فيما قرّر آخرون تشكيل تيار معارض من داخل التنظيم، من أجل الاستعداد للمؤتمر المقبل للإطاحة بالأمين العام الحالي وهو ما حدث.
انعكاسات مواقف وهبي غير الصدامية مع الإسلاميين، على واقع الحزب الداخلي، دفع إلى إعادة إحياء خطاب “البام”، السابق، من خلال القيادة الثلاثية الحالية، وهو ما اتضح من خلال تصريحات أبو الغالي، الذي قال خلال أشغال ندوة نظمتها الأمانة الإقليمية لـ”الجرار” بالحي الحسني بمدينة الدار البيضاء، مساء يوم أمس الجمعة، إن “الماوضويين لا زالوا يعتبرون المرأة بضاعة، وأن البنت القاصر سلعة للاستهلاك”.
وسلط أبو الغالي، خلال الندوة التي تمحورت حول موضوع “التمكين القانوني والسوسيو اقتصادي للنساء، في ضوء مراجعة مدونة الأسرة وخلاصات النموذج التنموي الجديد”، الضوء على تعريف الحداثة، التي تعتبر في صلب مشروع “الجرار” السياسي، مبرزاً أنها “لا تنبع من تجارب الحداثة الغربية التي تصورت من كثرة ما اختلط عليها الحابل بالنابل أن الحل في التحرر من سلطة الكنيسة هو استبعاد كل أثر للدين في حركة الحضارة حتى أصبحت تلك الحضارة بحرا بلا ساحل”.
وأضاف أن الحداثة التي ينادي بها حزب الأصالة والمعاصرة “نابعة من الوجدان المغربي بكل ما يزخر به من آداب وفنون وجماليات وأمن روحي”، منبهاً إلى أنهم في “التراكتور”، يعتبرون “أن هاته العناصر من المداخل الأساسية لترسيخ الحداثة الوجدانية المغربية، المنبثقة من: أصالتنا ووحدة إنتمائنا إلى جغرافيتنا الفريدة، واعتزازنا بالدين الإسلامي السمح وإيماننا الراسخ بالقوة الاستدلالية الموجودة في الذكر الحكيم الذي يرفع من قيمة العقل، ويرفض التقليد ويطلق يد الإنسان الحر والمفكر، ويعظم قيمة مصلحة الناس، فاصطلح عليها “فطرة الله التي فطر الناس عليها، وميزها بمفهوم “الدين القيم”، فالقيومية للعدل وللحريات المصونة، وللمساواة بين الرجل والمرأة وللديموقراطية وللمواطنة”.
وأوضح عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة: “علينا أن نجتهد في إظهار تلك القيم بما يخدم مصالحنا ومصالح أبناءنا، وأن نحث علماءنا الأجلاء الغيورين على هذا الوطن الحبيب على الإنفتاح والإعتدال والقراءة العقلانية للتشريعات والأحكام الدينية، كما فعل أجدادنا العلماء في القراءة والفقه والعلم والتدبر، رحمة الله عليهم جميعا، لأنهم أدركوا واقعهم وتفاعلوا مع متطلبات عصرهم في حدود الجغرافية والتاريخ وكان اجتهادهم ضمن أدواتهم المعرفية ومفاهيم وقتهم، وكان تحليلهم يستجيب للحاجة وللإنسجام مع بيئتهم، والحال أنهم كانوا حداثيين بكل المقاييس وأصابوا في ذلك، فأينما كانت مصلحة الناس، فثم شرع الله”.
وفيما يتعلق بتعديل مدونة الأسرة، اعتبر القيادي في “التراكتور”، أن المصلحة، تقتضي “التجاوب مع فطرتنا الحداثية السليمة والتي تتبنى أن الأصل في الحياة الدنيا هو الإنسان، وأن المشترك بيننا في بلدنا الحبيب هو المواطنة، وأن الوجدان المغربي يجمعنا، وأن الدين ملك للجميع، وأن الأصل في الدين هو الإيمان بالله وأن الملكية هي لحمتنا وأن الوطن هو إلتزامنا، وأن رحمة التعددية تكمن في تنوعنا العرقي واللغوي وفي الملل وأن حكمة التعارف تفتح لنا شراكات وفرص مع باقي الشعوب”، مؤكداً على أن “السياسة هدفها إسعاد الناس في الدنيا فقط وما عدا ذلك فهو هراء ولكن أكثر الماضاويين لا يعلمون”.
وانتقد أبو الغالي، الخصوم السياسيين لـ”البام”، الذين يمجّدون “الماضوية”، حسب تعبيره، “كونها أدت خدمة كبيرة في الاتجار في عقدة الذنب وما يترتب عن ذلك من عجز عن إنتاج المعرفة”، معتبراً أن “الماضوية قامت على ركيزتين اثنتين تكمن أولهما في الجعل من نمط عيش قديم دينا بمعنى الكلمة ولو تناقض مع دين الله، فيما تتجلى الثانية في احتكار الفكر، مما أدى ذلك إلى استعباد واستبداد”.
ونبه عضو القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى أن أحد المنتسبين لما أسماه بـ”التيار الماضوي”، في إشارة إلى عبد الإله بنكيران، الأمين العام لـ”المصباح”، اختزل “مسألة انتقال الثروة في الإرث ليجر النقاش حول آية المواريث”، معتبراً أنه “في حزب الأصالة والمعاصرة لم يتطرقوا أبدا للإرث وليس لديهم أي حرج في مسألة الإرث المتعارف عليها ولا في الآية الكريمة، بل كل ما في الأمر هو أنهم يرغبون في تفعيل الوصية، كون الوصية هي الأصل في القرآن الكريم، الذي جعلها أحد الخيارين في انتقال الثروة وخصص لها آيات يفوق عددها آيات المواريث”.
هذا، وأوضح أبو الغالي، “أنهم ارتأوا في حزب الأصالة والمعاصرة أن يتم إلغاء التعصيب بصفة كلية بما يكتسي هذا المفهوم من ظلم في حق المرأة اليوم، كما أنه يؤدي الزرع والعباد”، مردفاً “أن التعصيب لا وجود له في القرآن الكريم، ولم نعد نعيش في قبائل يضمن فيها العم أو أبناء العم الحماية والتحصين والإنفاق على الطفلة اليتيمة الفاقدة لأبيها، بل نحن اليوم في وطن تكون فيه الدولة هي المؤتمنة على سلامة الطفلة عوض العم أو أبناء العم، سلامتها في الشارع وفي تمدرسها وفي عيشها الكريم وفي سكنها اللائق، وفي ولوجها للكليات والمعاهد، ولو أراد الماضويون إعادة إنتاج مجتمع القرن الثامن والتاسع بعاداته ولباسه وأدواته الصناعية وبقوامته لكان أسهل وأوهن على أحدهم من محاولته استخراج التعصيب من التنزيل الحكيم، وظل سعيه بلا جدوى”.