مدارس الريادة تُفجّر الغضب… والنقابات التعليمية تُلوّح بموسم ساخن

تتجه الأوضاع داخل قطاع التربية الوطنية بالمغرب نحو مزيد من التوتر والتصعيد، بعد أن أعلنت النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية، في بيان مشترك، عن رفضها القاطع لمشروع “مدارس الريادة”، داعية نساء ورجال التعليم إلى مقاطعة الدورات التكوينية المرتبطة به بشكل كامل، احتجاجاً على ما وصفته بـ”سوء التدبير” و”خرق الالتزامات الحكومية”.
هذا الإعلان التصعيدي ليس مجرد موقف ظرفي، بل يأتي تتويجاً لمسار طويل من التراكمات التي طبعت علاقة النقابات بوزارة التربية الوطنية، خاصة بعد اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، اللذين لم تُنفذ مضامينهما حسب تعبير النقابات، ما يُنذر، وفق عدد من المتابعين، باشتعال جبهة التعليم مجدداً مع مطلع الموسم الدراسي المقبل.
القطيعة تتسع… والتكوين في مهب الريح
مشروع “مدارس الريادة”، الذي من المفترض أن يشكل رافعة لإصلاح منظومة التعليم الإعدادي، تحول فجأة إلى “نقطة الانفجار”، بعدما قررت الوزارة برمجة دوراته التكوينية بعد توقيع محاضر الخروج، في إجراء اعتبرته النقابات ارتجالياً وغير متوافق مع القوانين الجاري بها العمل. ومما زاد الوضع توتراً، مذكرة وزارية دعت المديرين إلى تأجيل توقيع محاضر الخروج بالنسبة للأطر المعنية بالتكوين، ما اعتُبر تجاوزاً للضوابط الإدارية و”استفزازاً مباشراً”.
النقابات، ومن خلال بيانها، لم تكتف برفض التكوين، بل اعتبرت أن المشروع نفسه يُدار بـ”منطق تجريبي عشوائي” يُربك الأساتذة ويُثقل كاهل المؤسسات دون توفير الشروط البيداغوجية واللوجستيكية اللازمة، محذّرة من أن مواصلة هذا النهج سيؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي داخل قطاع التعليم.
ملفات عالقة… ووعود تنتظر التنفيذ
البيان المشترك سلّط الضوء أيضاً على لائحة طويلة من المطالب العالقة، في مقدمتها المستحقات المالية، وعلى رأسها التعويضات التكميلية لأساتذة الابتدائي والإعدادي والثانوي، والتعويض عن العمل في المناطق الصعبة والنائية، بأثر رجعي ينطلق من شتنبر 2024، إضافة إلى صرف المستحقات العالقة لفئة التربويين المساعدين.
كما طالبت النقابات بمعالجة ملف الأساتذة الموقوفين، وتسوية وضعية الأساتذة المرتبين في السلم 10 منذ أزيد من 14 سنة، وتمكينهم من الترقية إلى السلم 11، مع الأثر الإداري والمالي. ولم تغفل الملفات الشائكة الخاصة بالمتصرفين التربويين، و”ضحايا الترقية” خلال سنوات 2021، 2022، و2023.
ومن بين النقاط التي تضمنها البيان، دعوة لتسوية وضعيات الفئات الهشة والعالقة، من قبيل أساتذة “مدارس.كم”، منشطي التربية غير النظامية، حاملي قرارات التعيين، وأساتذة سد الخصاص، إلى جانب مراجعة شروط العمل، وتخفيض ساعات التدريس، وتسوية التعويضات العائلية، وتعويضات المنطقة والتنقل، واحترام المقتضيات المنظمة لمحاضر الدخول والخروج، لا سيما القرار الوزاري رقم 077.24 المتعلق بالمفتشين.
موسم على صفيح ساخن؟
ما تُلوّح به النقابات التعليمية ليس مجرد احتجاج موضعي، بل دعوة مفتوحة لـ”التأهب النضالي” ابتداءً من الدخول المدرسي المقبل. فهي تعتبر أن صبرها قد بلغ مداه، وأن الحكومة مطالبة اليوم، لا غداً، بتقديم أجوبة عملية بدل الترويج للشعارات.
وفي المقابل، يبدو أن وزارة التربية الوطنية اختارت التمسك بمسار “مدارس الريادة” كأحد أوراش الإصلاح الكبرى، ولو على حساب الاحتقان مع الشركاء الاجتماعيين. وهو ما قد يُغذي التوتر ويدفع نحو شلل جزئي أو كلي في انطلاق الموسم الجديد، في حالة عدم التوصل إلى صيغة توافقية عاجلة.
في الأخير، تبدو أزمة “مدارس الريادة” أعمق من مجرد خلاف حول التكوين. إنها مرآة لأزمة ثقة متواصلة بين الفاعل النقابي والحكومي، عنوانها الأبرز: الإصلاح لا يمكن أن يُبنى على قرارات فوقية، ولا على تغليب منطق الإدارة على الحوار.