لارام تُحلّق بأحلام الجالية… وتُسقطهم في فخ الأسعار: الدعم بالمليارات والتذاكر خارج المتناول

في كل صيف، تتجدد معاناة الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومعهم عدد من المواطنين داخل الوطن، مع شركة الخطوط الملكية المغربية، التي تُحول حلم زيارة الأهل والعودة إلى الديار إلى معادلة مالية معقدة، بسبب الأسعار المرتفعة لتذاكر السفر، والتي تتجاوز أحياناً قدرات الطبقات المتوسطة والمهاجرين ذوي الدخل المحدود.
رغم كونها شركة وطنية تُمول من المال العام، إذ تتلقى سنوياً دعماً حكومياً بالمليارات، وتحديداً 600 مليار سنتيم كدعم استثنائي لإنقاذها من أزمة كورونا، لا تزال “لارام” تُمارس سياسة تسعيرية لا تراعي البعد الاجتماعي ولا الوطني، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول دورها الحقيقي وموقعها ضمن المنظومة الاقتصادية للبلاد.
المفارقة الصادمة عبّر عنها الوزير عبد الصمد قيوح نفسه، الذي برّر سياسة الشركة بكونها تعمل في إطار “تحرير الأسعار”، معتبراً أن المواطن هو المسؤول عن غلاء التذاكر لأنه لا يبادر إلى اقتنائها في وقت مبكر! تصريح بدا لكثيرين بمثابة تنصل حكومي من مسؤولية ربط الدعم العمومي بخدمة المواطنين، وجعل من حرية السوق ذريعة لتبرير استمرار الأزمة.
ورغم المقارنات المتكررة التي يُجريها المغاربة بين “لارام” وشركات طيران أجنبية، بعضها منخفض التكلفة، إلا أن الفارق لا يكمن فقط في الأسعار، بل في فلسفة الخدمة: ففي حين تُقدم الشركات الأجنبية عروضاً موسمية ومغريات لجذب الزبائن، تكتفي الشركة الوطنية بسياسة “الأمر الواقع”، دون التزامات واضحة بتحسين التنافسية أو دعم الرحلات الداخلية والدولية بأسعار معقولة.
هذا الوضع دفع النائب البرلماني رشيد حموني إلى توجيه سؤال مباشر إلى الحكومة حول مآل شركة تبلغ رقم معاملاتها أكثر من 20 مليار درهم، لكنها لا تزال تعاني من مشاكل حقيقية في فك العزلة عن المناطق النائية، وتحسين جودة خدماتها، وتوسيع عروضها، استعداداً لاستحقاقات كبرى أبرزها تنظيم كأس العالم 2030.
الرهان المستقبلي لا يتعلق فقط بالبنية التحتية، بل بتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات الوطنية، ومنها “لارام”، التي يُفترض أن تكون جسراً يربط مغاربة العالم بوطنهم لا أن تكون عبئاً مالياً يمنعهم من العودة.
في المحصلة، يبدو أن معركة تذاكر الطيران ليست تقنية ولا محاسباتية فقط، بل سياسية واجتماعية بامتياز، تُعيد طرح السؤال الجوهري: من يخدم المال العام؟ وهل الدعم الحكومي يُوجه فعلاً لخدمة المغاربة، أم لتمويل نموذج اقتصادي لم يعد يُقنع حتى زبائنه؟