فاس: من تدبير الشأن العام إلى “منعش عقاري” في دورة عادية! و” إهانة” كأس إفريقيا!

شهد جدول أعمال الدورة العادية لمجلس جماعة فاس، المقرر عرضه للتصويت يوم الثلاثاء 07 أكتوبر 2025، تحولًا لافتًا ومثيرًا للجدل، يضع علامات استفهام كبيرة حول الأولويات الحقيقية للمجلس برئاسة العمدة عبد السلام البقالي. فبمجرد إلقاء نظرة على النقاط المدرجة، يبرز تساؤل جوهري: هل تحول مجلس جماعة فاس إلى مجرد “منعش عقاري” يمارس البيع والشراء في الأراضي على حساب الأجندة التنموية الحقيقية للمدينة؟
طغيان “العقار” على الأجندة: صفقات بالجملة وشراء بالتجزئة!
يبدو أن “سماسرة العقار” قد وجدوا ضالتهم داخل أسوار مجلس المدينة، إذ يسيطر الشق العقاري والمالي على الجزء الأكبر من النقاط المطروحة. فالاتفاقيات المتعلقة بـ التفويت، والتنازل، والاقتناء، والتحويل، والتقييد في السجل العقاري تحتل الصدارة، وكأن المجلس تحول إلى وكالة عقارية ضخمة بدلاً من مؤسسة تُعنى بخدمة المواطنين.
في هذا السياق، تطرح ملفات على رأسها:
تفويت بقعة أرضية لشركة العمران (النقطة 6).
شراء ممتلكات عقارية، بما في ذلك قطعة أرضية من الخواص (النقطة 25).
نقاط متعلقة بالتنازل عن حصة أو جزء من الرسم العقاري الجماعي لشركات خاصة مثل FIRST BEST INTERNATIONAL (النقطة 23).
الموافقة على مشاريع تخطيط حدود الطرق العامة، وضم عقارات للأملاك العمومية (كالنقاط 29، 30، 31).
هذا الانغماس غير المسبوق في صفقات العقار يوجب مساءلة العمدة البقالي ومجلس التخبط: كم من أرض فُوّتت لشركة العمران أو لغيرها، وبأي ثمن؟ وهل يتم التفويت بالثمن الحقيقي للسوق، أم بثمن يخدم مصالح أخرى؟ إن تتابع هذه الصفقات يعزز الانطباع بأن تدبير الشأن المحلي في فاس بات يخضع لمنطق “البيزنس” العقاري، بعيداً عن الرؤية التنموية الشاملة.
أولويات فاس المنسية: النقل، النظافة، و”إهانة” كأس إفريقيا!
المفارقة المؤلمة تكمن في الغياب الكلي للقضايا الجوهرية التي تئن تحت وطأتها ساكنة فاس. فبينما ينشغل المجلس بـ “بيع وشراء” الأراضي، تبقى أوراش فاس الكبرى معطلة أو في حالة كارثية:
النقل الحضري: النقل العمومي (الحافلات) في المدينة يشهد وضعًا متدهورًا، ورغم ذلك، لا تُدرج نقطة مفصلية لتقييم أو إصلاح العطب المزمن في هذا القطاع الحيوي.
كارثة النظافة والمطرح: ملف النظافة التهم 22 مليار سنتيم من المال العام، دون أن يترك أي أثر إيجابي، بل تفاقم الوضع مع انتشار النفايات وروائح المطرح التي تخنق الأحياء المجاورة. كان واجباً على المجلس إدراج نقطة لـ المحاسبة ووضع استراتيجية إنقاذ عاجلة، لا الاكتفاء بالصمت و كيف له سيفوت مرة أخرى معالجة الروائح المنبعثة من المطرح بسبب عصارة لاكسيفيا و اين ذهبت الصفقات السابقة و ما دور شركات تدبير القطاع.
التهميش الصادم لكأس إفريقيا: الفشل الأكبر يتمثل في اللامبالاة التامة تجاه الاستحقاق الرياضي القاري المقبل. إذ لم يتضمن جدول الأعمال أي نقطة مفصلية حول استعدادات جماعة فاس للتظاهرة الكبرى المتعلقة بمباريات كأس إفريقيا، والتي لا يفصلنا عنها سوى شهرين. كيف سمحت السلطات الوصية بهذا الجدول الفارغ من أي نقطة تهم الاستعداد لهذا الحدث الوطني الهام؟ هذا الإهمال يُعد إهداراً للفرصة واستهتاراً بالمسؤولية تجاه مدينة تحتضن حدثاً عالمياً.
إن هذا الجدول المليء بالملفات العقارية والاتفاقيات الجوفاء، والخالي من القضايا التنموية الملحة، يرسخ صورة العمدة الفاشل والمجلس المتخبط الذي يستنزف المال العام في أولويات خاطئة، ويدير المدينة بعقلية “الوكالة العقارية” بدلاً من “المنتخب المسؤول”. فاس تستحق مجلساً يركز على خدمة الساكنة وتحسين وضعها المعيشي، لا مجلساً يبدو أنه دخل في دورات البيع والشراء في أراضيها.






