عاصفة الماستر تُطيح برؤوس جامعية… والميداوي يُوقّع على أولى خطوات تطهير التعليم العالي

في خطوة غير مسبوقة منذ سنوات، وقّع رئيس الحكومة عزيز أخنوش قراراً يقضي بإعفاء عميد كلية الحقوق بجامعة ابن زهر في أكادير، بناءً على اقتراح من وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، في واحدة من أقوى الردود السياسية والمؤسساتية على ما بات يُعرف إعلامياً بـ”فضيحة بيع الماسترات”.
هذا القرار، الذي يأتي وسط تصاعد الغضب الشعبي والجامعي إزاء شبهات “سوق سوداء” للتكوينات العليا، لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان منتظراً، بعدما أصبحت الشكوك حول وجود شبكات للوساطة والرشوة داخل الكليات، خصوصاً في سلكي الماستر والدكتوراه، حديث الإعلام والرأي العام، بل وأساس مساءلة دستورية حول مستقبل الجامعة المغربية.
تفجّر الفضيحة التي ضربت جامعة ابن زهر، جاء بعد تداول معطيات صادمة عن منح مقاعد دراسية داخل مسالك الماستر والدكتوراه بمقابل مالي، في غياب تام لأي محاسبة أو شفافية. وهي ممارسات، إن صحّت، لا تقتصر خطورتها على الجانب الأخلاقي، بل تضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص، وتُكرّس منطق الريع داخل واحدة من أهم مؤسسات تكوين النخب الوطنية.
والأخطر أن هذه الظاهرة لا تبدو معزولة، بل تمتد إلى مؤسسات أخرى، وفق ما تُشير إليه مصادر من داخل القطاع، مما يفسّر حديث الحكومة عن قرب اتخاذ إجراءات تأديبية إضافية، وأخرى تنظيمية وتشريعية لضمان شفافية المباريات وتدبير التكوينات الجامعية.
إعفاء عميد الكلية، وإن كان يُنظر إليه كخطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنه لا يكفي، بحسب مراقبين، لإعادة الاعتبار للجامعة المغربية، ما لم تترافق هذه الإجراءات مع إصلاح هيكلي وشامل يضرب جذور الزبونية والفساد الإداري والبيداغوجي.
فهذه الخطوة تُرسل إشارتين واضحتين: الأولى أن الدولة بدأت تُفعّل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل القطاع الجامعي، والثانية أن زمن “اللاعقاب” قد يكون بصدد الأفول، خاصة في ظل ضغط متصاعد من المجتمع المدني ووسائل الإعلام ومكونات الهيئات التدريسية النزيهة.
لكن بالمقابل، يُحذّر البعض من أن التركيز فقط على الجانب الزجري، دون إصلاح عميق في طريقة ولوج الماسترات، وتحديث معايير الانتقاء، وتفعيل الرقابة الداخلية، سيجعل من مثل هذه الفضائح قنابل مؤجلة قابلة للانفجار في أي لحظة، وبمؤسسات مختلفة.
جامعة في مفترق طرق
في العمق، تعكس هذه القضية اختلالاً بنيوياً يتجاوز واقعة أكادير، ويضع الجامعة المغربية أمام لحظة حاسمة: فإما أن تستعيد دورها كمؤسسة علمية قائمة على الاستحقاق، أو تستمر في التآكل التدريجي لشرعيتها، وسط هجرة كفاءات متزايدة، وتنامي فقدان الثقة في الشهادات الجامعية المحلية.
المطلوب اليوم ليس فقط تطهيراً إدارياً، بل مشروع إصلاح جامعي جذري يُعيد الثقة في المسارات العلمية، ويضع حداً لثقافة “الماستر مقابل المال”، التي تُسيء لطلبة مجتهدين ولمسؤولين شرفاء، وتُشكّل طعنة في ظهر كل من آمن يوماً بأن الجامعة بوابة العدالة الاجتماعية.
في المحصلة، لا أحد يرفض محاربة الفساد، لكن المعركة لا تُربح فقط بإعفاءات موسمية، بل بمراجعة شاملة للمنظومة، تبدأ من التشريع، وتمر عبر الرقابة الصارمة، وتنتهي بإعادة الاعتبار للجامعة كمؤسسة عمومية لا تُباع ولا تُشترى.