عاشوراء و ليلة “المجامر” عند نسوة المغرب
ارتبطت ظاهرة السحر والشعوذة بالإنسان منذ بدأ يعي حقيقة وجوده، وكانت من بين الوسائل التي لجأ إليها للجواب على الاسئلة التي واجهته وكانت تؤرّق مضجعه، سواء على المستوى الروحي او النفسي او حتى الجسدي، اي في ارتباط مع الأمراض التي كانت تستعصي عليه ولا يستطيع معالجتها. ورغم ما يمكن ان يقال عن هذه الظاهرة فإن الإنسان يظل دائما مفتونا بالخوارق والمعجزات والسحر وغير ذلك من الظواهر التي لا يستطيع لها تفسيرا.
وإذا كانت بقايا هذه الظاهرة مرتبطة بالأمية والجهل وقلة المعرفة العلمية وعدم انتشارها بين الأفراد والجماعات، فإن ذلك يبقى غير كاف لمقاربة الظاهرة إذ ان مجموعة من العوامل تتداخل لتؤبد هذه الظاهرة وتجعلها مستمرة حتى في اكثر المجتمعات تقدما والتي تنتشر فيها المعرفة العلمية إلى اقصى درجة..
والمغرب كباقي المجتمعات الانسانية عرف ظاهرة السحر والشعوذة منذ القدم ولازالت مظاهرها مستشرية في المجتمع وفي اوساط فئات عريضة منه، بل إن بعض الفئات التي تصرّ بعض الكتابات على انها متمنّعة وغير معنية بهذه الظاهرة نجدها تنغمس في ممارسات اقل ما يمكن ان يقال عنها، انها بعيدة عن العلمية والحداثة، التي من المفروض ان تتشبع بها هذه الفئات(هناك نماذج لنساء طبيبات ومهندسات .. يلجأن إلى السحر والشعوذة وزيارة الفقهاء والمزارات .. لأغراض شتى)، في هذا المقال جرد لبعض بقايا السحر والطقوس المرتبطة به في المغرب وخاصة بمناسبة عاشوراء التي يختلط فيها الديني بالوثني ليشكل بذلك مادة دسمة لكل باحث في علم الاجتماع والانتربولوجية وباقي العلوم المهتمة بالظواهر الانسانية والاجتماعية..
احتفالات “عاشوراء” في المغرب هو نسق طقوسي شديد التعقيد مركب من عناصر وأشكال تصورات واحتفالات يتداخل فيها ما هو ديني، كالصيام والصدقة، وبدائي كلباس الأقنعة ورش المياه.
يبدأ التحضير لاحتفالية عاشوراء منذ عيد الأضحى حيث يتم أخذ عظام الأضحية (الكبش) ليصنعوا منه (دمية عاشوراء) التي تسمى ب (بابا عيشور)، وينقع هذا العظم في الحناء، ويلبسونه القفطان والجلباب المغربي، إضافة إلى نعل (البلغة)، ويزينون عنقه بعقد يسمى (مدجة)، خوفا من إصابته بالعين، فيما يصنعون من جلد الخروف أقنعة استعداد للاحتفالات الكرنفالية بهذا اليوم.
تصنع زوجة (بابا عيشور)، من القصب، وتلبس كذلك لباس المرأة المغربية، لتكون دمية جاهزة للاحتفال، وتقوم النسوة بجمع تبرعات عبر ترديدهن لمجموعة من الأهازيج والأناشيد المرتبطة بالمناسبة، ومن خلال تلك التبرعات تقام وليمة مباشرة بعد عيد الأضحى. وفي يوم عاشوراء، يتشكل موكب كبير من الصغار والكبار، بعد تجهيز دمية (عيشور)، للدفن بعد أن يقوم الصغار بصلاة الجنازة عليه بعد تغسيلها، ويطلقن النسوة شعورهن وينغمسن في البكاء والندب، بل إن بعض العجائز في الماضي كن يقمن بالتمرغ في التراب أو الوحل، وكأن الجميع أمام جنازة.
ويرى باحثون أن هذه الطقوس لعبة أخضعها الكبار للصغار لكي يجتمعوا على رأي واحد، وليتدربوا على الاعتماد على أنفسهم في إعداد الطعام، وأن يتعلم الذكور منهم طرق وقواعد تغسيل الميت والصلاة على الجنازة، والذهاب إلى المقبرة ليدركوا معنى الموت، ويندرج كل هذا في التربية والتعليم عن طريق اللعب وفقا لما ذكر بعض الفلاسفة”.
“الشعالة”.. والرش بالماء
ومن مظاهر الفرح، هناك طقس “الشعالة”، ويتمثل في إقدام الأولاد ليلة عاشوراء على إضرام النار في الشوارع والساحات والأزقة، في البوادي والمدن، تتحلق النساء والفتيات حول لهيب النار المشتعلة ويطبلن ب”التعاريج “والدفوف لتشجيع الفتيان والشباب وهم يقفزون فوق النار، كما تردد النسوة مجموعة من الأهازيج الشعبية، تؤكد في مضامينها على حرية النساء وتحررهن من سلطة الرجال بهذه المناسبة. فيسرحن في مختلف الدروب ليستقطبن نسوة هذه الأحياء، ويعقدن معهن الصلح إن كن على خصام.
في هذا الحفل يرددن بعض الأغاني مثل “قديدة مرمية على الأعواد”.، في إشارة إلى لحم القديد الذي احتفظن به من أضحية العيد، لشوائه في هذه الليلة، تبعا لاعتقادهن بأنه يصلح للمرأة العاقر، ويهب الزوج لغير المتزوجة، وفي المناطق الأمازيغية تردد النسوة حسب أحد الباحثين، نشيدا يقول: “أيتها النار لقد ألقيت فيك القمل والبرغوث للشفاء”.
“النار في هذه الطقوس ترتبط عند العوام بقصة القاء النبي إبراهيم عليه السلام في النار ، وبالتالي فإن الشباب حين يقفزون عليها فهم لا يتخوفون منها”.
هناك عادة اغتسال المغاربة في الصباح الباكر من يوم عاشوراء بالماء، ورشهم بعضهم البعض به، تسمى هذه العملية بماء زمزم، حسب ذات الباحث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (زمزم لما شرب له)، ومن تم فهم يعتقدون أن مياه الأرض تكون زمزمية يوم عاشوراء، وهم في ممارستهم لهذه الطقوس، يسعون لجلب البركة والتطهر، وعملا بقول الحديث الشريف (من وسع على أهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه)، لذلك تكون المأكولات بهذه المناسبة استثنائية وتتشكل في غالبها من الفواكه الجافة، التي يتصدق ببعضها أثناء زيارة المقابر للترحم على الأموات”.
ومن المظاهر السلبية في هذه المناسبة، الإقبال على ممارسة طقوس السحر والشعوذة خاصة في صفوف النساء ممن ضاقت بهن سبل الحياة، والتعويض عن بعض معاناتهن بأشياء رمزية.
تطور تناقل الاحتفال بيم عاشوراء عند المغاربة مع تطور اجتماع و دخول عصر العولمة و الانترنيت ،و اصبح مختلف المغاربة وخاصة النساء و الفتيات يتناقلن صورا عبر منصات الصفحات الاجتماعية تعبر عن طريقة الاحتفال و هي غالبا صور “للمجامر” و شتى أنواع البخور و جلود و رؤس الحيوانات،و ذلك تعبيرا منهن ان ليلة احتفال هي ليلة السحر و الشعوذة،فيما يذهب العشرات من المشعوذين الى تخصيص الليلة للزيادة في المداخل و تهييج النساء بأنهم يستطيعون ان يفك لهم طلاسيم السحر و يستطيع بأن يرمي عنها غلاف العنوسة و يوفر له الرجل المستقبلي،و غير ذلك من الطقوس الوهمية المرتبطة بالسحر،و مع ذلك لا تخلوا مختلف البيوت المغربية من إشعال انواع البخور في ليلية كان لها المعنى البطولي و لكنها تحولت الى ليلة السحر و الشعوذة.
حقيقة يوم عاشوراء
يوم عاشوراء نجّى الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم سيدنا موسى عليه السلام وقومه من بطش وملاحقة فرعون وجنوده، فأمره أن يضرب بعصاه البحر، فمر موسى وقومه ونجّاهم الله، وأغرق فرعون وجنوده، وتصادف هذه الذكرى اليوم العاشر من شهر محرم، ويعرف بيوم عاشوراء، وحين قدم النبي عليه السلام المدينة المنورة وجد اليهود يصومون هذا اليوم ويعظمونه ويحتفلون فيه، فأمر المسلمين بصيامه، وعلّة ذلك أنّ المسلمين أولى بموسى من اليهود، ولم يكن صيام النبي لهذا اليوم تقليدًا لليهود أو اقتداءا بهم، بل كان فيه موافقة للسبب ذاته وهو شكر الله تعالى على نجاة موسى عليه السلام، وقد خالفهم بصيام يوم قبله ويوم بعده،[١] وقد كان صيامه فرضاً إلى أن فرض الله تعالى على المسلمين صيام شهر رمضان فأصبح صيام عاشوراء مستحباً.