سياسة

صدمة سياسية في باريس: استقالة رئيس الوزراء بعد ساعات من التشكيل تعمق أزمة حكم ماكرون

لم تصمد الحكومة الفرنسية الجديدة برئاسة سيباستيان لوكورنو لأكثر من 24 ساعة، حيث أعلن قصر الإليزيه، صباح اليوم الإثنين، قبول الرئيس إيمانويل ماكرون استقالة رئيس وزرائه الجديد. هذه الاستقالة المفاجئة، التي جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان التشكيلة الوزارية مساء الأحد، لم تكن مجرد حادث عابر؛ بل هي دليل قاطع على الأزمة السياسية العميقة والمستفحلة التي تضرب فرنسا قبل نهاية الولاية الثانية لماكرون.

كان تعيين سيباستيان لوكورنو، الذي خلف فرانسوا بايرو في 9 سبتمبر الماضي، محاولة يائسة من الرئيس ماكرون لإيجاد طريق للخروج من المأزق البرلماني. وقد جاءت تشكيلته الوزارية، التي ضمت 18 وزيراً، كخليط يجمع بين الإبقاء على شخصيات ثقيلة مثل برونو لو مير الذي عاد لوزارة الجيوش، وتعيين رولان ليسكور لوزارة الاقتصاد والمالية لمواجهة تحديات الميزانية. كما لفتت التشكيلة الأنظار بتواجد شخصيتين بارزتين من أصول مغربية، وهما رشيدة داتي (وزيرة الثقافة) ونعيمة موتشو (وزيرة التحول والوظيفة العمومية)، الأمر الذي كان يُنظر إليه كرسالة للتنوع والكفاءة.

لكن آمال الاستقرار سُرعان ما تحطمت. فقد أوضح لوكورنو، الذي أصبح الآن أقصر رؤساء الوزراء عمراً في تاريخ الجمهورية الخامسة، أن سبب الاستقالة هو فشله في تأمين شروط العمل الأساسية. وأشار صراحة إلى أن “الظروف لم تكن مناسبة”، مؤكداً أنه سعى جاهداً لبناء توافق مع الشركاء والنقابات، لكن “الأحزاب السياسية لم تقدم تنازلات عن برامجها وكانت تريد فرض شروطها”.

تُعد استقالة لوكورنو بعد هذه الفترة الوجيزة دليلاً دامغاً على عجز ماكرون عن الحكم بأغلبية برلمانية مريحة، وهو ما يضع نهاية ولايته تحت ضغط غير مسبوق:

  1. الأغلبية المفقودة و”حكومات الأقلية الفاشلة”: منذ خسارة ماكرون للأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، تعيش فرنسا حالة من الشلل التشريعي. وقد سقطت حكومتان سابقتان (بايرو وبارنيه) بالفعل على خلفية التصويت على الميزانية. ومع رفض الأحزاب المعارضة، من اليمين المتشدد إلى اليسار الراديكالي، تقديم أي تنازلات، أصبحت مهمة تشكيل حكومة قادرة على تمرير القوانين شبه مستحيلة.
  2. “فخ الميزانية”: كان التحدي الأكبر للوكورنو هو المصادقة على مشروع الميزانية لخفض العجز المرتفع. ومع إصرار المعارضة على رفض سياسات التقشف والمطالبة بتنازلات كبرى (مثل الضرائب على الثروات)، وجد لوكورنو نفسه محاصراً، وغير قادر على ضمان الأغلبية اللازمة لخطابه السياسي العام الذي كان مقرراً يوم الثلاثاء.
  3. مستقبل الإصلاحات المعلق: كانت حكومة لوكورنو مكلفة بمواصلة تنفيذ إصلاحات حاسمة، أبرزها إصلاحات التقاعد والضرائب والسياسات الاجتماعية. إن الاستقالة السريعة تضع مصير هذه المشاريع في مهب الريح، وتزيد من احتمالية اللجوء المتكرر إلى المادة 49.3 من الدستور (لتمرير القوانين دون تصويت)، مما يعمق الاستياء الشعبي والتوتر السياسي.
  4. ماكرون بين الخيارات الصعبة: الآن، يجد ماكرون نفسه أمام خيارات محدودة وصعبة. فإما أن يعيد تكليف شخصية أخرى بمهمة شبه مستحيلة، أو أن يقرر حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، وهي مغامرة قد تزيد من قوة المعارضة (اليمين المتطرف أو اليسار)، أو ربما اللجوء إلى خيار إقامة “حكومة تقنية” غير سياسية لإدارة شؤون البلاد، لكن كل هذه السيناريوهات تنطوي على مخاطر كبيرة وتؤكد حجم الأزمة الدستورية التي تواجهها الجمهورية الخامسة.

تؤكد هذه الاستقالة القياسية أن فرنسا دخلت مرحلة جديدة من عدم اليقين السياسي، حيث باتت قدرة ماكرون على الحكم الفعال محل تساؤل كبير، مما يهدد بتحويل الفترة المتبقية من ولايته إلى حالة من الجمود السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى