خلافات حادة بين العدالة والتنمية والعدل والإحسان: صراع على مواقف من نصرة فلسطين والتطبيع

شهدت مدينة طنجة دعوة مثيرة للمشاركة في مسيرة لنصرة غزة وفلسطين، رفضًا للتهجير والحصار والتجويع والتطبيع والإبادة الجماعية، وهي الدعوة التي فجرت خلافًا عميقًا بين حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان. هذا الصراع ليس مجرد خلاف داخلي بين فصيلين سياسيين، بل هو معركة فكرية وعقائدية حول المواقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع “إسرائيل”، وبرز بقوة على منصات التواصل الاجتماعي.
بدأت القصة عندما أطلقت “المبادرة المغربية للدعم والنصرة”، المقربة من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، دعوة للمشاركة في مسيرة في طنجة، استجابة لدعوة المقاومة الفلسطينية لنفير عام. وقد دعت المبادرة سكان المدينة إلى الانخراط في الفعاليات التي ستنظم خلال الأسبوع، مشددة على رفضها لكل أشكال الحصار والتجويع والتطبيع. وفي مقدمة هذه الفعاليات، كانت المسيرة التي دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين فرع طنجة أمس السبت 29 مارس.
لكن الخلاف تفجر حين رفضت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، فرع طنجة، مشاركة المبادرة في المسيرة، واعتبرت أنها “هيئة مسؤولة عن توقيع اتفاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني”. البيان الذي أصدرته الجبهة كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقات بين التنظيمين، حيث رأت أن المبادرة تسعى إلى تشويه مواقف الجبهة والإقحام باسمها في دعوات لا تمثلها.
ردًا على هذا الموقف، لم يتأخر مناصرو حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح في التعبير عن غضبهم، مؤكدين أن دعم القضية الفلسطينية يجب أن يكون وحدة لا تفرقة، وأن محاولات البعض لاحتكار هذا الدعم تعد مسارًا غير ناضج. وقد وصفوا البيان الصادر عن الجبهة بـ”الصبياني” و”البئيس”، موجهين انتقادات حادة للذين يحاولون تقسيم الصف الوطني حول نصرة فلسطين.
في المقابل، ردت حسابات جماعة العدل والإحسان على هذه الانتقادات بشراسة، مهاجمة المبادرة المغربية وحزب العدالة والتنمية بشدة، واصفة إياهم بـ”المطبعين” و”المنافقين” الذين لا هم لهم سوى تسويق مواقف تسهم في التطبيع مع “إسرائيل”.
وفي خضم هذه الحرب الكلامية، برز تعليق أحد القياديين في حزب العدالة والتنمية الذي اعتبر أن هذه المواقف تعكس “قلة المروءة والرجولة” من أولئك الذين يسعون إلى شيطنة كل من يختلف معهم، مشددًا على أن “المواقف الصادقة لا تُصنع بالبلاغات المدلسة، بل بالأفعال الملموسة”. وأكد أن نصرة القضية الفلسطينية ليست ملكًا لأي طرف، وأن “المواقف يجب أن تكون واضحة وصادقة، وأن الأطراف المتنازعة يجب أن تتوقف عن استغلال القضية لأغراض سياسية ضيقة”.
واعتبر القيادي أن مسألة التطبيع هي مسألة سيادية تعود للمؤسسات الرسمية في المغرب، خاصة جلالة الملك الذي يتولى مسؤولية السياسة الخارجية للمملكة. وأكد أن توقيع الاتفاق الثلاثي من طرف الحكومة المغربية لا يمثل حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بمفردهم، بل هو جزء من سياسة الدولة التي تم إقرارها بصفة رسمية.
إن هذا الصراع بين العدل والإحسان والعدالة والتنمية ليس مجرد خلاف داخلي بين جماعتين إسلاميتين، بل هو جزء من معركة أكبر حول المواقف من القضية الفلسطينية. في وقت تتوحد فيه الأمة الإسلامية في مواجهة العدوان على فلسطين، يأتي هذا النزاع ليبرز التحديات التي يواجهها التضامن الوطني في المغرب، حيث لا تزال بعض الأطراف تسعى إلى التقاط لحظات الانقسام السياسي لزيادة الهوة بين القوى المناصرة للقضية الفلسطينية.
يبقى السؤال: هل ستستمر هذه الخلافات في إضعاف موقف المغرب في دعم فلسطين؟ أم أن هناك أملًا في تجاوزها والتركيز على ما يهم فعلاً: دعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل؟