مجتمع

تقرير:المغرب مهدد بأزمة الماء و السنوات العجاف

وصل المغرب إلى وضعية مائية صعبة مع مطلع سنة 2024 في ظل غياب التساقطات المطرية الكافية لإنعاش حقينة السدود والفرشة المائية، مما يهدد ساكنة العديد من المدن المغربية بقطع أو تخفيض صبيب المياه في ظل التراجع الكبير الذي تعرفه البلاد على مستوى الموارد المائية في السدود والأحواض.

يعاني المغرب للسنة السادسة على التوالي من مشكل الجفاف، وبالتالي تراجع مخزون السدود، مما يترتب عنه أثار سلبية على الموسم الفلاحي والأمن الغذائي، في ظل الانتقادات الموجهة إلى الحكومة بسبب عدم تعاملها مع الوضعية بإجراءات استباقية عبر إنجاز المشاريع المائية التي قد تساهم في تحقيق التوازن وترشيد استهلاك المياه على مستوى الجهات والمدن الكبرى، خاصة بالنسبة للزراعات السقوية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه.

فقد لامس مخزون معظم السدود الخطوط الحمراء، إذ لا تتجاوز النسبة الإجمالية لملء السدود 23.3 في المائة بتاريخ فاتح يناير 2024، باحتياطي لا يتجاوز 3 مليارات و756 مليون متر مكعب، فيما كان خلال اليوم نفسه من السنة الماضية عند حدود 31.4 في المائة، باحتياطي يقدر بـ 5 ملايير و69 مليون متر مكعب.

وكشفت تقارير أن هناك انخفاضا بنسبة 67 في المائة في الموارد المائية في المغرب مقارنة بالأعوام العادية، حيث يواجه المغرب العام السادس على التوالي هذا التحدي، ومن تم فإن الإجهاد المائي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في الفترة الأخيرة، قد زاد من تعقيد الوضع المائي في البلاد.

فبالرغم من مشكل السنة الماضية الذي ترتبت عنه أزمة كبيرة في المياه، وخصاص كبير على مستوى المدن الصغيرة والمتوسطة بالنسبة للساكنة، واستمرار بعض المظاهر السلبية على مستوى الزراعة وتدبير الجماعات وحفر الآبار وسقي الملاعب والمساحات الخضراء، إلا أن الأزمة تشتد في ظل غياب التساقطات وعدم إنجاز مشاريع مائية كانت مبرمجة منذ سنوات، مثل السدود المتوسطة والأحواض وتحلية مياه البحر وغيرها.

مع نهاية سنة 2023، دق ناقوس الخطر بعد الانخفاض المهول في حقينة السدود التي لا تتجاوز 4 ملايير متر مكعب، في ظل الاستهلاك الكبير للمياه داخل المدن وفي المجالين الفلاحي والصناعي، بحيث سجلت حقينة أكبر سد في المملكة، سد الوحدة مع نهاية دجنبر 2023، نسبة 40.9 في المائة فقط، باحتياطي قدره مليار و440 مليون متر مكعب، في حين كان عند اليوم نفسه من السنة الماضية بنسبة ملء قدرها 55.4 في المائة، واحتياطي مليار و951 مليون متر مكعب، أما نسبة ثاني أكبر سد في المملكة، سد المسيرة، فلم تتجاوز نسبة الملء 1 في المائة، بمخزون احتياطي لا يزيد عن 27 مليون متر مكعب.

إن الوضعية المائية الصعبة التي تعاني منها البلاد تؤكدها أرقام السدود الكبيرة، من أبرزها سد بين الويدان، الذي يعتبر الثالث في المملكة، وسجل فقد نسبة 5 في المائة باحتياطي يقدر بـ 60.4 مليون متر مكعب، بينما تبلغ حقينته الأساسية مليار و215 مليون متر مكعب، الشيء الذي يؤكد حجم الكارثة التي تعيشها سدود المملكة، والتي تنعكس بشكل سلبي على الوضعية الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، وبالأخص الفلاحين والمقاولات، بينما لم تتعد نسبة ملء سد إدريس الأول 15 في المائة رغم أن طاقته الاستيعابية تخزن مليار و129 مليون متر مكعب، أما سد سيدي محمد بن عبد الله، الذي يعد خامس أكبر السدود، فلم تتجاوز نسبته 18.2 في المائة من أصل 974 مليون متر مكعب.

وحسب الإحصائيات المسجلة مؤخرا، فإن نسبة حقينة عشرة سدود في المملكة لا تتجاوز 13 في المائة، بمعدل احتياطي قدره 2 مليار و470 مليون متر مكعب فقط، بينما تظل نسبة السدود الصغيرة لا توفر احتياطا كافيا لسد الخصاص والنقص المسجل داخل السدود الكبيرة التي تعتبر المزود الرئيسي للقطاع الفلاحي ومياه الشرب لسكان المدن القريبة منها.

أما على مستوى الأحواض المائية، فقد اختلفت نسب مواردها المائية، إذ بلغ حجم ملء حوض اللوكوس 39.29 في المائة، وحوض سبو بنسبة ملء 36.75 في المائة، ثم حوض تانسيفت 46.33 في المائة، يليه حوض أبي رقراق بنسبة 19.42 في المائة، فحوض ملوية بنسبة ملء تصل لـ 25.89 في المائة، بينما عرف حوض كير زيز-غريس نسبة ملء بـ 27.16 في المائة، في حين وصلت نسبة ملء حوض درعة واد نون لـ 20.48 في المائة، ثم 11.22 في المائة بحوض سوس ماسة، في حين تم تسجيل أقل نسبة في حوض أم الربيع بـ 4.75 في المائة، الذي بات يعرف بدوره عجزا كبيرا بنسبة 5.24 في المائة في الموارد المائية للسنة الرابعة، إذ سجلت حقينة السدود المتواجدة على طوله نسبة ضعيفة لا تتجاوز في أغلب الأحيان 9 في المائة.

وتظهر الأرقام الرسمية – وفق المصادر ذاتها – عجزا مائيا في جميع الأحواض المائية، مع تفاوت كبير بين السدود في شمال المملكة ونظيراتها في الجنوب، إذ سجل انتعاش في أحواض شمال المملكة، مثل حوض وادي المخازن، وبعض السدود الصغيرة مثل سد ابن بطوطة، وسد 9 أبريل، وسد دار خروفة، وسد شفشاون.

في هذا الإطار، سجل تقرير جديد للمجلس الأعلى للحسابات حول الوضعية الحالية للسدود، جملة من الملاحظات والاختلالات فيما يتعلق باستراتيجية وإجراءات تثمين السدود، التي اعتمدتها وثائق التخطيط المتعلقة بالماء، ولاسيما الاستراتيجية الوطنية 2009-2030، والمخطط الوطني للماء 2010-2030، وكذا المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة لموارد المياه 2011-2030، وكشف أن السلطات الحكومية المكلفة بقطاع الماء لم يسبق لها القيام بتقييم لاحق للجدوى الاقتصادية للسدود المنجزة، رغم أن الممارسات الفضلى على المستوى الدولي في هذا المجال، تحث على إجراء هذا التقييم على الأقل كل عشر سنوات من أجل تقييم جودة الدراسات المنجزة، وكذا النتائج الاقتصادية والمالية، والأثار البيئية والاجتماعية لهذه المشاريع.

وسجل التقرير تأخرا كبيرا في بناء عدد من السدود مقارنة بالتوقعات، حيث لم يتم إتمام تشييد سوى 16 سدا كبيرا من أصل 30 كانت مبرمجة خلال الفترة ما بين 2010 و2020، بمعدل إنجاز لا يتعدى 53 في المائة، كما عرفت مشاريع الربط بين الأحواض المائية تأخرا على مستوى إنجاز الدراسات المتعلقة بها بلغ أزيد من عشر سنوات، حيث انطلقت هذه الأخيرة في سنة 2007 على أساس إتمامها سنة 2013، غير أنها لا تزال متواصلة إلى غاية شتنبر سنة 2023، ونتج عن هذه الوضعية بالإضافة إلى عدم اتخاذ تدابير ملموسة لتعبئة التمويلات اللازمة، تأخر البدء في إنجاز هذه المشاريع.

كما رصد المجلس، من خلال تقريره، عدم وضع مجموعة من البرامج المرتبطة بهذا التثمين، ولاسيما البرنامج المتعلق بإعادة تأهيل قنوات نقل المياه انطلاقا من السدود، مشيرا إلى أن تنفيذ هذا البرنامج كان سيمكن من توفير كميات مهمة تقدر بحوالي 400 مليون متر مكعب سنويا، كما لم يتم وضع أي برنامج لتثمين السدود الصغيرة، حيث أن 94 في المائة منها لم توضع رهن إشارة وكالات الأحواض المائية بعد الانتهاء من بنائها، وظلت في غالبيتها منشئات مهجورة.

وأكد نفس التقرير وجود تقصير في صيانة السدود تتحمل مسؤوليته وزارة التجهيز والماء، إذ أن عدم صيانة السدود من الأوحال بالشكل المطلوب يشكل عاملا قويا لاستنزاف السدود الوطنية، حيث يقدر الحجم الإجمالي للتوحل بـ 2.24 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل نحو 12.72 في المائة من إجمالي سعة السدود المقدرة بنحو 17.6 مليار متر مكعب، حسب معطيات سابقة للمجلس، مضيفا أنه بالرغم من الجهود المبذولة لمكافحة التعرية وأثرها، لا يزال المعدل السنوي لتوحل السدود مرتفعا، حيث يتسبب سنويا في خسارة سعة تخزينية تقارب 75 مليون متر مكعب، حسب مشروع المخطط الوطني للماء، الذي أنجز سنة 2015، وهي نفس الوتيرة التي سبق أن أشارت إليها الاستراتيجية الوطنية للماء سنة 2030.

واعتبر التقرير ذاته أن صيانة السدود من طرف الوزارة المكلفة، تبقى دون مستوى المعايير الموصى بها في هذا المجال، حيث أشار المخطط الوطني للماء 2010-2030 إلى ضرورة الرفع من حجم الإنفاق المخصص لصيانة السدود قصد الاستجابة للمعايير المعتمدة في هذا المجال، وذلك برفعه إلى نسبة 0.5 في المائة من حجم الاستثمار بدلا من نسبة 0.3 في المائة التي كان معمولا بها، إضافة إلى أن أكثر من نصف السدود الكبيرة (81 سدا) يفوق عمرها 30 سنة، وهو ما يستلزم جهودا كبيرة للصيانة الاعتيادية، وأحيانا إنجاز إصلاحات كبرى لهذه المنشئات.

وفيما يخص التزويد بالماء الشروب انطلاقا من السدود، فقد شهدت جميع المشاريع المبرمجة في هذا المجال (19 مشروعا)، تأخيرا مقارنة بتوقعات المخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية، بحيث تجاوزت مدة التأخير خمس سنوات بالنسبة لتسعة مشاريع من مجموع المشاريع المبرمجة، وتراوحت مدة التأخير بين سنتين 2 و5 سنوات بالنسبة لأربعة مشاريع، في حين لم تنجز 6 مشاريع لأسباب مختلفة، أما في مجال التثمين الزراعي لمياه السدود، فقد شكل اعتماد الري الموضعي في مشاريع توسيع الري في سافلة السدود، تطورا إيجابيا مقارنة بالمشاريع التي نفذت قبل مخطط “المغرب الأخضر”، غير أن صعوبات التجهيز الداخلي للقطع الفلاحية بمعدات السقي الموضعي أخرت بشكل كبير تحقيق الأهداف المرجوة، وقد أدت نفس الصعوبات إلى تأخر تحقيق أهداف مشاريع التحويل إلى الري الموضعي في سافلة السدود.

وأوصى تقرير المجلس الأعلى للحسابات بتعزيز التنسيق بين الأطراف الرئيسية المعنية بتثمين السدود (القطاع المكلف بالماء، القطاع المكلف بالفلاحة، والمكتب الوطني للكهرباء والماء)، بهدف إنجاز مشاريع التثمين داخل الآجال المحددة وتحقيق الجدوى الاقتصادية المرجوة، كما أوصى بالتسريع بوضع برنامج وطني لإصلاح قنوات نقل المياه بين السدود والمدارات السقوية، وكذا بتعزيز الإجراءات المتخذة لتثمين السدود الصغيرة، كما دعا إلى تسريع وتيرة إنجاز الدراسات التقنية والمالية المتعلقة بمشاريع الربط بين الأحواض المائية، والحرص على جودة دراسات الجدوى الاقتصادية للسدود.

وفي ظل هذا التراجع الكبير في حقينة السدود والأرقام المسجلة التي تحذر من أزمة ماء تهدد اقتصاد البلاد، فقد لجأت وزارة الداخلية إلى اتخاذ تدابير استباقية واستعجالية بهدف الحفاظ على الموارد المائية، خاصة المياه الصالحة للشرب، وتقليل الزراعات السقوية التي تستنزف الفرشة المائية بشكل كبير، ووجه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، مراسلة إلى الولاة وعمال العمالات والأقاليم في نهاية شهر دجنبر المنصرم، يدعو فيها إلى اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير لمواجهة الجفاف الذي تعرفه بلادنا، خاصة وأن ندرة التساقطات المطرية والمعدلات الحرجة لملء السدود وجفاف الفرشة المائية، تنذر بأزمة مائية كبيرة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات صارمة لترشيد استغلال مواردنا المائية.

ودعا لفتيت الولاة والعمال إلى فرض حظر نهائي على الأنشطة التالية: ري الفضاءات الخضراء والحدائق العامة، تنظيف الطرق والساحات العمومية باستخدام المياه، ملء المسابح العامة والخاصة أكثر من مرة واحدة في السنة، وزراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، بالإضافة إلى منع تربية الأحياء المائية دون استشارة مصالح وزارة الفلاحة، وشدد الوزير على ضرورة القيام بحملات وإجراءات تحسيسية، بمشاركة الجمعيات المحلية، حول أهمية ترشيد استهلاك المياه (اتصالات مباشرة، توزيع نشرات…)، وترشيد تدفق المياه لهذه المناطق المستهلكة للماء بقوة (تعديل الضغط أو القطع الكلي خلال فترات زمنية معينة).

واعتبر لفتيت أن مشكلة المياه وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية تتطلب التزاما من جميع المسؤولين على كافة المستويات لتحقيق النتائج المتوقعة، بهدف تحقيق توفير هذا المورد الحيوي بشكل دائم لصالح السكان، مشددا على ضرورة التنسيق مع المصالح الخارجية المعنية على دراسة إمكانية إيجاد الإجراءات البديلة قصد الحد من وقع الإجهاد المائي على المواطنين والأنشطة الاقتصادية، وذلك بإعادة تفعيل اللجان الجهوية المكلفة بتتبع البرنامج الوطني للربط بالماء الصالح للشرب ومياه السقي مع تسريع إنجاز المشاريع المرتبطة به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى