تحقيق: داخل الأقسام… رعب لا يدرّس”: شهادات صادمة لأساتذة ينجون من العنف المدرسي

تحقيق: فاس24
لم يكن الأستاذ عبد الحق، البالغ من العمر 39 عاماً، يتصور أن مهنته التربوية ستنتهي بكسر في ذراعه داخل فضاء من المفترض أن يكون آمناً ومهيأً للتعليم. “كُسرت ذراعي على يد تلميذ، أمام أعين الجميع”، بهذه العبارة المختصرة يصف عبد الحق، أستاذ التعليم الثانوي ، لحظة تحوله من مربٍّ إلى ضحية.
الحادث وقع عندما خرج الأستاذ من الفصل إثر سماعه ضوضاء في الممر، ليجد تلميذاً في حالة هيجان. حاول تهدئته، لكن الأخير، وتحت تأثير مادة مهلوسة، باغته بضربة عنيفة كسرت ذراعه، وأسقطته أرضاً. الشرطة حضرت سريعاً واعتقلت المعتدي، في حين نُقل الأستاذ إلى المستشفى.
ورغم وضعه شكاية قانونية، فإن عبد الحق قرر التنازل عنها مراعاة “لمستقبل التلميذ”، بحسب قوله، لكن ما يؤلمه، كما يؤكد، هو “خذلان الإدارة التعليمية التي لم توفر له أي دعم قانوني أو نفسي، وكأنه غير موجود”.
بعد أكثر من عقد في التدريس، تغيّرت نظرة عبد الحق إلى مهنته. “لم أعد أرى نفسي أستاذاً، بل هدفاً سهلاً وسط بيئة بلا حماية”، يقول بأسى.
“مدرسة بلا أمان”
و تحكي الأستاذة نادية (34 سنة)، أستاذة رياضيات، عن اعتداء آخر تعرّضت له من طرف تلميذة داخل القسم. تقول إن الخلاف بدأ حين طلبت من التلميذة الجلوس بطريقة محترمة، لكنها ردّت بشتائم وتهديدات، بل استدعت أختها إلى باب المؤسسة لتكمل سلسلة الإهانات أمام زملاء القسم.
“شعرت بالذل، وبأنني مجرد شخص يمكن لأي كان أن يهينه دون تبعات”، تقول نادية، التي قررت تقديم شكاية للسلطات بعد تصاعد التهديدات. ورغم ذلك، لا تزال تعاني من التبعات النفسية للحادث، وتجد صعوبة في التعامل مع باقي التلميذات.
وتتابع بقلق: “كيف أمارس مهنة التعليم وأنا لا أشعر بالأمان؟ كل يوم أدخل إلى القسم وأشعر أنني تحت التهديد”.
“ضربة كادت تقتلني”
من جهته، يروي حسن، مدير ثانوية تأهيلية ، تفاصيل حادث خطير كاد ينهي حياته. يقول إنه استُدعي تلميذ بسبب تورطه في تخريب ممتلكات المؤسسة، لكن الأخير رفض الانصياع، ودخل في مشادة كلامية مع الطاقم الإداري، قبل أن يرشق المدير بحجر على الرأس، أسقطه مغشياً عليه.
نُقل حسن إلى المستشفى، حيث تبين أن الضربة تسببت في كسر في الجمجمة، وخضع على إثرها لعملية جراحية معقدة. “الضربة لم تكن عادية، بل كانت بمثابة شروع في القتل”، يؤكد المدير، الذي لا يزال يعاني من مضاعفات جسدية ونفسية.
أرقام مقلقة وظاهرة تتفاقم
هذه الشهادات ليست استثناءً. بل إن العنف في المؤسسات التعليمية في المغرب بات واقعاً يومياً يهدد الأساتذة ويقوّض العملية التعليمية. خلال الأشهر الأخيرة، تصدّرت عشرات حوادث الاعتداء على الأطر التربوية واجهة الجدل في مواقع التواصل، فيما يعاني الأساتذة في صمت وسط مؤسسات تحولت إلى ساحات صراع بدل أن تكون منابر للعلم.
رئيس “المرصد المغربي للتعليم والتكوين”، يرى أن أسباب تنامي العنف تعود إلى “تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وغياب التأطير التربوي والنفسي، بالإضافة إلى ضعف منظومة القيم داخل المجتمع والمدرسة على السواء”،و كذلك إتساع رقعة إستهلاك المخدرات القوية من طرف فئة عريضة من التلاميذ الذين يعيشون وسط دور إجتماعي متذبذب.
ويضيف أن “المدرسة فقدت دورها كحاضنة تربوية، وتحولت إلى ساحة صراع مفتوح بسبب غياب الردع وغياب ثقافة الاحترام المتبادل”.
“غياب القيم وتكريس الاستهلاك”
من جهته، يعتبر الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، أن العنف المدرسي ضد الأساتذة ناتج عن خلل بنيوي داخل المجتمع. “نحن أمام جيل لا يرى في المدرسة فضاءً للترقي، بل عبئاً. وسائل التواصل الاجتماعي عززت هذه النظرة، وربت جيلاً يطالب بالنتائج دون بذل الجهد”.
ويشير إلى أن “العلاقة بين الأستاذ والتلميذ تضررت بفعل التركيز المفرط على النقاط والنتائج، بدل ترسيخ قيم الاحترام والانضباط”، مضيفاً أن ضعف التواصل بين الأسرة والمدرسة يُعمّق الأزمة.
إعادة الاعتبار للمؤسسة التربوية
يدعو مختصون إلى تدخل عاجل يعيد الاعتبار للمدرسة العمومية المغربية، ويعيد الثقة للأستاذ داخل القسم، من خلال:
-
حماية قانونية فورية لرجال ونساء التعليم.
-
إعادة إدماج التربية القيمية في المناهج.
-
دعم نفسي مستمر للأساتذة ضحايا العنف.
-
تفعيل دور جمعيات الآباء كشركاء حقيقيين في التصدي للظاهرة.
فهل تتحرك الجهات الوصية قبل أن يتحوّل العنف داخل المدارس إلى وباء يصعب احتواؤه؟