مجتمع

تحقيق : الحكومة تمرر قانون الأضراب وسط جدل نقابي متواصل

في يوم 5 فبراير 2025، توقفت عقارب الزمن في المغرب في عدد من القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والعدل، وكان يوما استثنائيا ليس فقط عقب إضراب عام دعت له المركزيات النقابية لمدة يومين، بل لأنه أتى احتجاجا على أول قانون ينظم حق الإضراب منذ استقلال المغرب عام 1956.

وخلف تباين أرقام الحكومة والنقابات حول نسبة المشاركين في الإضراب، هناك وجوه وقصص، عمال وعاملات يحملون على أكتافهم أثقال سنوات من الكدح، بعضهم يؤيد القانون الجديد باعتباره خطوة نحو تنظيم الحق في الإضراب، والبعض الآخر يراه “أداة تكبيل” للعمال.

بين هذه المواقف تتشابك مصائر أناس  يحكون كيف عاشوا يوم المصادقة على قانون الإضراب بمجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان المغربي) والاحتجاج ضده.

“مبرر لفقدان العمل”

في يوم الإضراب العام، بقيت عاملة نظافة في مدينة فاس، في بيتها احتجاجا على قانون ترى أنه يسلب العمال حقهم في المطالبة بتحسين أوضاعهم، حيث منذ وفاة زوجها وهي تكافح لإعالة ابنيها براتب لا يتجاوز 1100 درهم شهريا  رغم 18 سنة من العمل، والآن تخشى أن يصبح الاحتجاج مبررا لفقدان عملها.

“حرمنا من حقوق كثيرة ومغلوب على أمرنا”، هكذا تقول المضربة، مشيرة إلى ضعف الأجور وغياب التغطية الصحية. وحين تتحدث عن معاناتها تذكر الساعات الطوال التي أمضتها في تنظيف عدد من المؤسسات دون أن تنال ما تعتبره “أبسط الحقوق”.

تشتغل السيدة أربع ساعات يوميا بما فيها السبت والأحد وكانت تتعرض لاقتطاع من أجرتها أيام العطل الوطنية والدينية قبل أن تحتج رفقة زميلاتها وتم توقيف هذا الاقتطاع، متابعة بحسرة “لكن اليوم مع هذا القانون الجديد إذا تحدثنا عن حقوقنا قد يطردوننا من العمل”.

رغم الإحباط، تتمسك المضربة بالأمل كعضوة في إحدى النقابات وتؤكد أن التضامن وحده قد يحقق تغييرا ما، معتبرة أن المصادقة على القانون التنظيمي للإضراب قد يسلبهم حتى حقهم في الاعتراض، وتقول “لكن السكوت ماشي حل، إذا سكتنا اليوم، غدا غادي نسكتو على كلشي”.

“قانون تكبيلي”

أستاذ بالتعليم العمومي وأب لثلاثة أطفال، إضراب 5 و6 فبراير بصفته عضوا في الجامعة الوطنية للتعليم (نقابة)، حيث أكد أن الحكومة مررت قانون الإضراب دون توافق مع النقابات، مستغلة أغلبيتها البرلمانية مما يهدد حقوق العمال ويضعف قدرتهم على المطالبة بتحسين أوضاعهم.

ويضيف الأستاذ،أن”القانون الجديد يكبل الإضراب بدل تنظيمه، إذ يفرض عقبات قانونية وإدارية تعجيزية، مثل اشتراط إبلاغ السلطات مسبقا والتفاوض الطويل قبل الإضراب، مما يجعل ممارسته شبه مستحيلة، كما يتيح الاقتطاع من الأجور، ويمنح المشغلين صلاحيات واسعة، ما يحد من قدرة العمال على الدفاع عن حقوقهم”.

بعد تجربة لأزيد من 20 سنة في قطاع التعليم،  يشير نفس المتحدث إلى أن الإضرابات السابقة انتزعت مكاسب مهمة للأساتذة، مثل تعديل النظام الأساسي، لكن القانون الجديد قد يسهل على الحكومة التراجع عن هذه المكتسبات، قائلا “بدون حق الإضراب، قد تواجه الشغيلة التعليمية سياسات تقشفية كتخفيض الأجور مما يجعلهم عرضة لقرارات تعسفية”.

وأمام هذا الوضع، يؤكد  أن الحركة النقابية لن تستسلم وستتجه نحو التصعيد. “بالنضال المشترك يمكننا إسقاط هذا القانون التكبيلي والمجحف لحقوق العمال”، يقول رضوان، معبرا عن عزمه على مواصلة الدفاع عن حقوق العمال.

“مغامرة غير محسوبة”

و في منطقة أخرى تقول سيدة وهي  تشارك معاناتها بصوت خافت وحذر خوفا من فقدان وظيفتها، إذ رغم عملها في الطبخ بإحدى المؤسسات التعليمية لمدة 15 سنة لا تتوفر على عقد عمل مستقر ولا على ضمان اجتماعي يحميها، وهي أم لطفلين تسعى لتأمين لقمة عيش أسرتها بعد عجز زوجها عن العمل بسبب مرضه.

تحكي السيدة، بألم عن الأجر الزهيد الذي تتقاضاه شهريا (حوالي 1500 درهم) مقابل ساعات عمل طويلة تمتد من الخامسة والنصف صباحا إلى ما بعد العشاء، مشيرة إلى أن العطل الرسمية والدينية لا تعني لها شيئا، إذ تواصل العمل دون أي تعويض إضافي، بل حتى أيام العطل المدرسية تصبح مصدر قلق، لأنها تحرم من الأجر خلالها.

تشعر المتحدثة وزميلاتها أنهن مجرد أيدٍ عاملة رخيصة يمكن استبدالها في أي لحظة، دون أن يكون لهن الحق في الاعتراض أو المطالبة بتحسين ظروفهن. “عندما حاولنا في السابق تنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة برواتبنا المتأخرة، تلقينا تهديدات مباشرة من المسؤولين، وتم توقيف بعض العاملات كإجراء انتقامي”، تقول السعدية بأسى.

رغم أنها تعمل في الطبخ وتعد الطعام للآخرين، فإن المصرحة لا تملك حتى الحق في أخذ وجبة لنفسها ولا تتقاضى أجرها إلا إذا أشعلت قنينة الغاز للطهي دون تقدير جهودها في التنظيف والتحضير والتقديم، مشددة على أن “قانون الإضراب الجديد قضى علينا نهائيا لأنه جعل أي محاولة للمطالبة بأبسط الحقوق مغامرة غير محسوبة العواقب”.

“تراجع كبير”

وبعد قضائه لحوالي 28 سنة بإحدى الشركات الخاصة لتوزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل ، يؤكد مستخدم (58 سنة) وأب لثلاثة أطفال، أن قانون الإضراب الجديد يشكل تراجعا كبيرا عن المكتسبات العمالية، حيث يعقد مسطرة اللجوء إلى الإضراب بشكل يجعل ممارسته شبه مستحيلة وتقييدا واضحا للحق في الاحتجاج.

وأضاف ذات المتحدث، إلى أن المصادقة على هذا القانون تمت بطريقة مفاجئة وسريعة، دون الأخذ بعين الاعتبار مقترحات وتعديلات النقابات، وهو ما أثار استياء واسعا في صفوف العمال. مضيفا أن هناك خيبة أمل كبيرة، خاصة وأن النقابات كانت تأمل في قانون ينصف العمال ويحفظ حقهم في الاحتجاج، بدلا من قانون يحد من حريتهم ويعرقل العمل النقابي.

وفيما يتعلق بالإضراب العام، أوضح  أن نسبة المشاركة كانت مرتفعة جدا في الشركة التي يشتغل فيها، وقال “استجاب العمال والأطر والمتقاعدون لنداء الاتحاد المغربي للشغل (نقابة)، رغم أن العلاقة مع الإدارة داخل الشركة تعتبر نموذجية مقارنة بقطاعات أخرى”.

وفي هذا الصدد، أكد  أن “المشاركة في الإضراب العام لم تكن موجهة ضد الإدارة، بل جاءت تعبيرا عن الرفض الجماعي لهذا القانون المجحف”، مشيرا إلى أن الاحتجاج سيتصاعد وسيتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية لإسقاط هذا “القانون غير الشرعي”.

جدل الأرقام

وكان مجلس النواب قد صادق وسط الأسبوع الجاري على مشروع قانون الإضراب بأغلبية 84 صوتا مقابل 20، وسط غياب كبير للبرلمانيين (حضور 104 نواب فقط من أصل 395)، وجاء ذلك تزامنا مع إضراب عام دعت إليه النقابات احتجاجا على تمرير القانون دون توافق.

ودافع وزير الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، عن قانون الإضراب بأنه يهدف لتنظيم هذا الحق المشروع وضمان ممارسته بشكل سليم، مشددا على أنه جاء بعد مشاورات موسعة مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين، وتم إدخال تعديلات عديدة بناء على مقترحات النقابات لضمان توازن بين حقوق العمال وأرباب العمل ومصلحة المجتمع.

وأعلن المسؤول الحكومي أن نسبة المشاركة في الإضراب العام بلغت 32% بالقطاع العام و1.4% فقط بالخاص، بينما أكدت النقابات أنها تجاوزت 80%. وانتقد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي مخاريق، السبت، أرقام الحكومة واصفا بأنها “إحصائيات مزيف ومغلوطة”، مشددا على استمرار التعبئة النقابية لمواجهة ما وصفه بمحاولات الحكومة للالتفاف على الحقوق العمالية عبر تمرير القانون دون توافق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى