القنب الهندي في قبضة الواقع: هل يخنق تقنين الكيف أحلام تنمية الشمال المغربي

بعد مرور أربع سنوات على دخول قانون تقنين زراعة القنب الهندي حيّز التنفيذ في المغرب، لا تزال الطموحات التنموية الكبيرة تصطدم بجدران الواقع المعقد في منطقة الريف و الشمال، حيث تتشابك المعادلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مشهد غير محسوم.
قانون 13-21، الذي أقر سنة 2021، لم يكن مجرد تشريع تنظيمي، بل اعتُبر حينها تحولاً استراتيجياً في مقاربة الدولة المغربية لإحدى أكثر الزراعات حساسية وجدلاً: زراعة “الكيف”. وقد رُوّج للقانون على أنه رافعة تنموية ستنقل آلاف الفلاحين من السرية والملاحقات القضائية إلى سوق قانوني منظم ومزدهر، خاصة في أقاليم لطالما عانت من التهميش والعزلة، مثل الحسيمة وشفشاون وتاونات.
لكن رغم ضخامة الخطاب الحكومي، فإن الأرقام تكشف واقعاً أكثر تواضعاً: أقل من 10 آلاف رخصة زراعة صُرفت حتى الآن، مقارنة مع ما يُقدر بأنه مئات الآلاف من المزارعين النشطين في السوق السوداء، التي لا تزال تدر مليارات من اليوروهات سنوياً، دون أن تمر عبر أي قناة قانونية أو ضريبية.
من الحقول إلى المحاكمات الرمزية
تحوّل الحقل الزراعي في الريف إلى ساحة صراع جديد، ليس فقط بين المزارعين والدولة، بل بين الفلاحين أنفسهم. فالتقنين، الذي كان من المفترض أن يجلب الاستقرار والوضوح، أفرز انقسامات اجتماعية عميقة. الصراع لم يعد على الأرض فقط، بل على “الحق التاريخي” في ممارسة هذه الزراعة. متتبع وصف الأمر بـ”الصراع الرمزي على الإرث”، حيث باتت الرخصة الزراعية تعني أكثر من مجرد إذن قانوني؛ إنها شهادة انتماء وشرعية في مجتمع يعيش على الهامش.
اقتصاد قانوني ضعيف أمام مافيا منظمة
المعضلة الأكبر تبقى اقتصادية بالأساس. فعلى الرغم من فتح الباب أمام الاستخدامات الطبية والصناعية للقنب، لا تزال البنية التحتية للتحويل والتسويق الصناعي شبه غائبة. الفلاحون المرخص لهم يجدون أنفسهم أمام تحديات التسويق، غياب الدعم التقني، ووجود مسالك غير قانونية أكثر فعالية وربحية، مما يضعف ثقتهم في المشروع من الأساس.
وفي المقابل، لا تزال شبكات التهريب حاضرة بقوة، وتتفوق من حيث الجاذبية الاقتصادية، سواء عبر عروض الأسعار أو سهولة التصريف، وهو ما يعيد الكثيرين إلى أحضان السوق السوداء رغم تقنين الدولة.
الطريق نحو تقنين فعّال: ما المطلوب؟
إن تحويل “الكيف” إلى مورد تنموي فعلي لا يتطلب فقط قوانين وتشريعات، بل رؤية تنموية شاملة تشمل البنية الصناعية، التمويل، التكوين، وحماية المنتجين من تغوّل الوسطاء والسماسرة. التقنين وحده لا يكفي ما لم يُرفق بإرادة حقيقية لتغيير الواقع اليومي للفلاحين.
المغرب أمام مفترق طرق: إما أن يُحوّل هذا الملف إلى قصة نجاح تنموية تحتذى، أو أن يتحوّل إلى ملف آخر ينضم إلى لائحة الوعود المؤجلة والرهانات غير المحققة.