إدريس لشكر يحرق آخر أوراقه… المعارضة ترفض أن تكون سلّمًا لطموحات ما بعد 2026

في خضم المشهد السياسي المتأرجح، يبدو أن إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اختار مواجهة المعارضة بدل الحكومة، في خطوة اعتبرها متابعون بمثابة إحراق متأخر لآخر أوراقه السياسية قبل الانتخابات التشريعية المرتقبة سنة 2026.
هجومه العلني على مكونات المعارضة بخصوص مبادرة ملتمس الرقابة، التي قدمها حزبه، كشف حجم التوتر الداخلي والخلافات غير المعلنة بين مكونات الصف المعارض، لكنّه في الوقت نفسه فضح الطموحات الفردية التي أصبحت تتحكم في قرارات قيادة حزب الوردة، حتى وإن كان الثمن هو إضعاف موقع المعارضة نفسها.
في لقاء حزبي داخلي، عبّر لشكر عن خيبة أمله من عدم تجاوب باقي أطراف المعارضة مع مقترح ملتمس الرقابة، واعتبر أن بعض الفاعلين “سارعوا إلى تبخيس المبادرة قبل حتى الاطلاع على مضمونها”. وبالرغم من حديثه عن “مصلحة وطنية” وسعي نحو “عدالة مجالية” و”حكامة ترابية”، إلا أن المعنى السياسي لما جرى لا يمكن فصله عن مناورات لشكر المستمرة لخلق موقع تفاوضي داخل سيناريوهات تشكيل حكومة 2026.
اللافت أن ردود الفعل داخل المعارضة لم تكن متحمسة، لا للمبادرة ولا لخطاب التبرير، إذ أن ملتمس الرقابة بدا، بحسب مراقبين، وكأنه ورقة تكتيكية لتلميع صورة حزب يتراجع حضوره تدريجياً، أكثر من كونه تعبيراً حقيقياً عن رغبة في الإطاحة بحكومة تملك أغلبية عددية مريحة.
ويطرح هذا المسار سؤالاً محرجاً: هل فعلاً كانت المبادرة هدفها تقويم الاختلالات المؤسساتية، أم أنها جزء من مناورات شخصية يسعى من خلالها لشكر لتأمين موطئ قدم في أي تحالف محتمل مستقبلياً؟
ما يعزّز هذا الطرح هو غياب التفاعل الحقيقي من بقية الفرق البرلمانية، ما يعكس حالة من العزلة السياسية بات يعيشها الاتحاد الاشتراكي تحت قيادة لشكر، الذي يبدو اليوم أكثر ارتباطاً برهاناته الذاتية من انخراطه في جبهة معارضة فعالة وموحدة.
سياسيًا، فإن ما حدث يُسجّل على أنه سقوط إضافي في رصيد قيادة الاتحاد، التي اختارت التوقيت الخطأ، والخصم الخطأ، واللغة الخطأ. وإذا كان الحزب قد نجح في جمع توقيعات فريقه النيابي، فإنه فشل في بناء توافق أوسع داخل المعارضة، وهو ما يُفرغ المبادرة من محتواها، ويحوّلها إلى ضجيج إعلامي بلا أثر سياسي ملموس.
من جهة أخرى، ينظر مراقبون إلى ما يحدث على أنه مقدمة لتصفية الحسابات داخل المعارضة نفسها، وخصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية القادمة، حيث يسعى كل طرف إلى تحسين شروط تموقعه، ولو على حساب وحدة الصف المعارض.
في المحصلة، يبدو أن إدريس لشكر اختار أن يهاجم المعارضة لأنه لم يعد قادراً على مواجهتها ضمن نفس الموقع، ولأن رصيده السياسي في الحكومة السابقة لم يمنحه ما يكفي من الشرعية لتقمّص دور المعارض النزيه. وفي ظل هذا التآكل المتسارع، قد يكون هذا الخروج الإعلامي واحداً من آخر الأوراق التي يحرقها في معركة ما بعد 2026، التي بدأت مبكرًا، وبمفردات مستهلكة، وبدون حلفاء.






