اقتصاد

والي بنك المغرب ينتقد خرجات الحكومة فيما يخص رفع سعر الفائدة و التضخم

وجه عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب، رسائل إلى الجهات المتدخلة في الشأن المالي التي لم تكن تنظر بعين الرضا للقرارات المتوالية التي اتخذها البنك المركزي في اجتماعاته السابقة، بعد رفعه سعر الفائدة الرئيسي تدريجيا بـ 150 نقطة أساس، مؤكدا خلال ندوة صحفية عقدت عقب الاجتماع الفصلي لبنك المغرب أن «التدخل في مهام بنك المغرب تم حسمه في القانون الأساسي للبنك، وهو قانون ينطبق على الجميع، وأنا من مسؤوليتي السهر على احترام هذه المقتضيات».

و دافع الجواهري عن استقلالية مؤسسته عن باقي الهيئات المتدخلة، معتبرا أنها في منأى عن أي ضغوطات، وقال في معرض رده على أسئلة الصحافة «لو كان الأمر يتعلق بتدخل من الحكومة لم نكن لنرفع سعر الفائدة ثلاث مرات منذ شتنبر بإجمالي 150 نقطة أساس»، واعتبر والي بنك المغرب أن القرارات السابقة لم تكن سهلة، ولكن حتمتها ظرفية مواجهة التضخم التي هي من المهام الأساسية للبنك المركزي، ويملك من المؤهلات والموارد البشرية والأدوات والعلاقات مع البنوك المركزية الأخرى، ما يمكنه من اتخاذ القرارات الأقرب إلى الصواب، مؤكدا في الوقت ذاته أن هذه القرارات تأخذ في الحسبان النمو الاقتصادي والتشغيل، وهو ما جعل بنك المغرب حريصا على ضخ ما يكفي من السيولة في السوق النقدي بما يمكن من تلبية الحاجيات التمويلية للأبناك.
وبخصوص الإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط حول التضخم أشار إلى أن «البنك المركزي والمندوبية تجمعهما علاقة تعاون منذ البداية فبنك المغرب مفتوح للجلوس من أجل التباحث حول أي دراسات مستوفية بخصوص الجوانب المالية»، مؤكدا أن «البنك ينجز التقارير كل ثلاثة أشهر حول التوقعات المالية ويدخل كل هذه الأمور في تقريره السنوي، ولم يسبق للبنك أن تدخل في شؤون عمل أي مؤسسات وإذا كانت له ملاحظات فهو يراسل المؤسسات بشكل إداري»، مضيفا أن «لا أحد يزايد على وطنية الآخر، وهناك مصالح يمكن أن تتدارس بشكل مشترك التقارير الاقتصادية وحينها أنا مستعد لتصحيح أخطائنا إن كانت هناك أخطاء»، ومشددا على أنه «لا أنتقد مؤسسة في مهامها ولا أتدخل في مهام المؤسسات، ونريد من تلك المؤسسات أن تعاملنا بالمثل».

من جانب آخر قرر مجلس بنك المغرب خلال اجتماعه المنعقد، أول أمس، إيقاف دورة التشديد النقدي مؤقتا والإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي مستقرا في 3 في المائة، مسجلا بهذا الخصوص أنه وبعد نسبة 6,6 في المائة في 2022، واصل التضخم تسارعه ليصل إلى 10,1 في المائة في شهر فبراير 2023. وبعد ذلك، سجل انخفاضا لكن مع بقائه في مستويات مرتفعة ارتباطا بتزايد أسعار المواد الغذائية الطرية، حيث تراجع إلى 8,2 في المائة في مارس، وإلى 7,8 في المائة في أبريل ثم إلى 7,1 في المائة في ماي. وأخذا بالاعتبار هذه المعطيات، من المتوقع أن يصل إلى 6,2 في المائة في المتوسط هذه السنة وإلى 3,8 في المائة في 2024. ويرتقب أن يعرف مكونه الأساسي مسارا مماثلا، ليتراجع من 6,6 في المائة في 2022 إلى 6,1 في المائة هذه السنة ثم إلى 2,9 في المائة في 2024.
وأبرز الجواهري أن هناك اختلافا ما بين احتساب نسبة التضخم من لدن الهيئات والمؤسسات المختصة، وبين التضخم الذي يشعر به المواطن مباشرة في الأسواق، وذكر الجواهري أن هناك فجوة دائمة بين احتساب نسبة التضخم وشعور المستهلك، مضيفاً أن زوجته تطلب منه مرافقتها إلى السوق للوقوف مباشرة على أسعار الخضر مقارنة بالأرقام التي يصدرها بنك المغرب، مشددا على أنه »كلما سارعنا في خفض التضخم ، كان ذلك أفضل للمستهلك».

بخصوص رفع سعر الفائدة الرئيسي، أوضح والي بنك المغرب أنه لا يغفل مؤشرات النمو والتشغيل، مضيفا أنه حرص على توفير السيولة للقطاع البنكي على مستوى السوق النقدية، إذ تمت تلبية جميع طلبات التمويل من قبل القطاع البنكي منذ أزمة كورونا، معتبرا أنها طلبات مؤسسة وهدفها تمويل الاقتصاد، وأنه يعقد لقاءات شهرية مع وزارة الاقتصاد والمالية، والخزينة العامة، ويتم جمع التوقعات من خبراء من مختلف التخصصات قبل كل اجتماع فصلي ينتهي باتخاذ قرار يخص سعر الفائدة الرئيسي، وقال إن الصعوبة لا تكمن في إمكانية اتخاذ القرار من عدمه، بل في تجنب ترسيخ توقعات التضخم.
وأشار الجواهري إلى أن معرفة تأثير رفع سعر الفائدة الرئيسي على المستوى الاقتصاد الحقيقي يتطلب استحضار مؤشرين، الأول يتعلق بتطور سعر الاقتراض، والثاني يهم تحليل العرض والطلب بخصوص القروض في كل فصل، مبرزا بخصوص تأثير هذا القرار على الاستثمار أن »من يتذرع بذلك يحمل مشروعا استثماريا غير جيد»، معتبرا أن الاستثمار الجيد بإمكانه تحمل الزيادة المتخذة، والفاعل الاقتصادي يحتاج إلى الثقة والرؤية، والبنك الدولي كشف في تقرير حول معوقات الاستثمار، أن ظروف التمويل تأتي في الرتبة الثامنة، في حين تجب مواجهة الفساد، وتوفير العقار، وتبسيط الإجراءات الإدارية.

وكشف الجواهري أن تداول النقود «الكاش» بكثرة أصبح ثقافة متجذرة بالمغرب، مضيفا خلال الندوة الصحافية أن «المغاربة يفضلون «الكاش» لأنه سهل الاستعمال ولا يشكل أي مخاطر»، معتبرا أن من أحد أسباب استمرار تداول «الكاش» بالمغرب، النسبة المرتفعة للقطاع غير المهيكل والتي تصل إلى 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مضيفا أن السبب الثاني مرتبط بجائحة كورونا، والتي أدت إلى تضخم الثقافة النقدية.
وبحسب الجواهري، فلكي يقع تغيير في ثقافة الدفع لدى المغاربة، يجب أولا تحديث أنظمة الدفع، وهي نقطة حقق فيها المغرب تقدمًا كبيرًا، لا سيما مع اعتماد البنوك على الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، بالإضافة إلى الحاجة إلى نقلة نوعية، يشرح الجواهري، من خلال تدريس العمليات المالية وسط الشباب والنساء في العالم القروي، مضيفا أن المساعدات الاجتماعية يمكن أن تكون رافعة حقيقية للحد من تداول النقد إذا تم دفعها إلكترونيا.
من جانب آخر، قال الجواهري إنه يجب الحسم في ملف المقاصة، معتبرا أنه «إذا حاولنا تغيير بعض الهياكل الاجتماعية، فإننا نجد صعوبات»، مبينا أن «صندوق المقاصة كان وما زال مصدر ربح لعدد من الفئات»، مؤكدا أن «الحكومة على ما يبدو تمضي نحو تغيير هذا الأمر نحو الاتجاه للإصلاح من خلال إخراج السجل الاجتماعي وتعميم التغطية الصحية، بالإضافة إلى الدعم المباشر، وهي البرامج التي سيتم توجيه اعتمادات المقاصة لها، مبينا أن «تنزيل هذا الأمر يتطلب التدريج وهو ما يبدو أن الحكومة تقوم به»، على حد تعبير الجواهري، الذي أوضح أن هناك تحديات بخصوص تنزيل برامج الدعم والمنهجية التي سيتم اعتمادها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى