سياسة

المجلس الاعلى للحسابات يعري واقع تخبط الجهات و ضعفها في تنزيل التنمية

تفعيل الجهوية المتقدمة” كان موضوع مهمة موضوعاتية أنجزها المجلس الأعلى للحسابات، كُشف حديثاً عن تقريرها الكامل وخلاصته، “في إطار المهام والاختصاصات المنوطة بالمجلس الأعلى للحسابات بمقتضى دستور المملكة والقانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية، وحرصاً منه على مواكبة الإصلاحات الاستراتيجية بالمغرب”.

وأعلن مجلس الحسابات أن عمل هذه المهمة الموضوعاتية انصبّ في مرحلتها الأولى حول “الإطار المؤسساتي، الآليات والموارد، والاختصاصات”، مُركّزاً على “الجهات بالنظر لمكانتها المحورية في الجهوية المتقدمة”.

المهمة ستطال في مراحلها الموالية الجوانب المتعلقة، تباعاً، بـ”الوظيفة العمومية الترابية وتنمية القدرات، وبتقييم برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وبالتمويل الترابي وبتحفيز الاستثمار، وأن تشمل، إضافة إلى الجهات، مستويات التنظيم الترابي الأخرى، ولا سيما العمالات والأقاليم، والجماعات”.

“جهات ضعيفة خلق الثروة”
التقرير سجل “هيمنة ثلاث جهات” على مساهمة (في المتوسط) بأزيد من 58% في الناتج الإجمالي الداخلي الخام للمملكة، هي: الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة وطنجة-تطوان-الحسيمة.

وفق الوثيقة الرسمية، انتقل الناتج الداخلي الخام المحقق من قِبل الجهات الاثني عشرة بين 2015-2021 من 966.077 إلى 1.273.281 مليون درهم، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 4,71%.

كما سجلت 5 جهات نسَباً أعلى من متوسط نسبة النمو الإجمالي سالف الذكر 4,71%، هي على التوالي: جهات الصحراء الثلاث (العيون الساقية الحمراء 10,56% وكلميم واد نون 7,30% والداخلة واد الذهب 6,54%)، و”درعة تافيلالت” 6,44% و”الشرق” 6,29%.

التبايُن هو السِّمة الملازمة لـ”مساهمة الجهات في خلق الثروة الوطنية والقيمة المضافة”، يورد التقرير، مستحضرا أن “متوسط مساهمة ثلاث جهات في الناتج الإجمالي الداخلي الخام بلغ أزيد من 58%، وهي: الدار البيضاء-سطات 32%، الرباط-سلا-القنيطرة 16% وطنجة-تطوان-الحسيمة 10%، مقابل 42 في المائة على مستوى باقي الجهات”.

“مساهمة محدودة في الاستثمار”
عن “مساهمة مجالس الجهات في الاستثمار العمومي”، قال المجلس الأعلى للحسابات في تقريره إنه “رغم ارتفاعها بنسبة 278% خلال الفترة 2021-2016، فإنها تظل محدودة”، حسب توصيفه.

واستدل بأن “نفقات الاستثمار سجلت بمجالس الجهات تطورا ملحوظا بين 2016-2021 بانتقال مجموع مبالغها من 2,19 إلى 8,27 مليار درهم (نسبة ارتفاع 278%)، قبل أن يستدرك بأن “نسبة هذه الاستثمارات ظلت محدودة، إذ لم تتجاوز 4% من الاستثمار العمومي الإجمالي برسم سنة 2021 مقابل 1% سنة 2016”.

“تحسين آليات التفعيل”
أبرز خلاصات التقرير الموضوعاتي، سجلت ملاحظة المجلس بشأن “الحاجة لتحسين آليات تفعيل الجهوية المتقدمة للرفع من إسهام الجهات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما الآليات الإجرائية والمِسطرية التي وضعتها الدولة لتمكينها من تفعيل اختصاصاتها الذاتية والمشتركة، وآلية التعاقد مع الدولة لتنفيذ المشاريع التنموية، فضلاً عن “رصد الموارد المالية اللازمة لدعم قدراتها التدبيرية”.

كما سجل المجلس، الذي ترأسُه زينب العدوي، “أهمية الأشواط التي قطعها مسار تفعيل الجهوية المتقدمة”، مستحضراً-على الخصوص-“الترسيخ التدريجي لدور الجهات كفاعل محوري في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمستدامة، وكشريك استراتيجي للدولة في تنفيذ المشاريع التنموية”.

وشخَّص التقرير “مرحلة تأسيسية للجهوية المتقدمة بالمغرب امتدت للفترة 2015-2018، عرفت أساسًا إصدار القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة ونصوصها التطبيقية (71 نصاً تطبيقيا)”، فضلا عن إصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، اتسمت فترة ما بعد سنة 2018 بـ”الانخراط التدريجي للجهات في ممارسة اختصاصاتها في ضوء المستجدات القانونية ذات الصلة”.

تقرير “مجلس الحسابات” رصد اعتماد 11 برنامجاً للتنمية الجهوية، بكلفة إجمالية بلغت 420 مليار درهم، وتفعيل آليات التعاقد مع الدولة عبر إبرام 4 عقود-برامج (contrats programmes) بكلفة إجمالية فاقت 23 مليار درهم، وإحداث وكالات جهوية لتنفيذ البرامج على مستوى 11 جهة.

ولم تخطئ عيون معدّي التقرير “الارتفاع المسجل على مستوى الموارد المالية المرصودة من طرف الدولة لفائدة الجهات، ناهزت 47 مليار درهم خلال الفترة 2016-2022، وكذا على مستوى الموارد البشرية التي بلغ عددها 865 موظفا على مستوى إدارات الجهات و359 مستخدَماً بالنسبة للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع”.

نقاط التدارك
رغم هذه الحصيلة الإيجابية، إلا أن “تحقيق جميع الأهداف التي تتوخاها الجهوية المتقدمة، وفي مقدمتها اضطلاع الجهات وباقي الجماعات الترابية على النحو الأمثل بأدوارها التنموية، يظل رهينا بالاستجابة لمجموعة من المتطلبات”، يستدرك المجلس الأعلى للحسابات.

وتابع: “إذا كان هناك إجماع بين مختلف الأطراف على اعتبار اللاتمركز الإداري دعامة لا مناص عنها للجهوية المتقدمة، فإن الأهم هو تملُّك وترسيخ ثقافة نقل الاختصاصات التقريرية من المركز إلى المستوى الترابي، من خلال التسريع في تجسيد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري على أرض الواقع، بحيث لَمْ يتجاوز معدل إنجاز خارطة الطريق المتعلقة به 32 في المائة”.

وسجل التقرير، ضمن أقوى تقييماته، وتيرة “غير كافية” (وفق تعبيره) لعملية “نقل الاختصاصات ذات الأولوية المتعلقة بالاستثمار إلى المصالح اللّاممركزة، موردا أنه “لم تتعَدَّ نسبتها 30 في المائة”.

وأوصى “مجلس العدوي” بـ”إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم لتحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الترابي، وتفعيل اللجنة الجهوية للتنسيق المحدَثة لدى والي الجهة”.

“كسب رهان التنمية الترابية”، بحسب رؤية أعلى محكمة مالية بالمغرب، يظل رهيناً بـ”استقطاب موارد بشرية ذات مؤهلات عالية” كأمر “مُلحّ”، و”اعتماد مقاربة شمولية تقوم على الاستثمار الأمثل للخبرات والكفاءات المتاحة التي يتوفر عليها مختلف الفاعلين المؤسساتيين على المستوى الترابي (الإدارة الترابية والمصالح اللاممركزة والمؤسسات العمومية ذات الاختصاص الوطني والمؤسسات العمومية المحلية ووكالات التنمية والشركات العمومية)”.

“تجويد التخطيط” و”قابلية التنفيذ”
سجل المجلس، ضمن أبرز التوصيات، “حاجة الجهات إلى تجويد وظيفتها التخطيطية، مع اعتمادها برامج تنموية واقعية وقابلة للتنفيذ”.

وقال بهذا الشأن إن “مستوى التنفيذ المادي للمشاريع المدرجة في برامج التنمية الجهوية المتعلقة بالفترة 2015-2021 لم يتجاوز نسبة 36%؛ أي ما يعادل 11% من الكلفة الإجمالية التوقعية لهاته البرامج (47 مليار درهم من أصل 420 مليار درهم).

كما يتطلب التفعيل الأمثل لاختصاصات الجهات “التسريع باعتماد وتنفيذ التصاميم الجهوية لإعداد التراب”، موصيا أيضا بـ”اعتماد إطار تنظيمي يوضّح منهجية تحضير وصياغة عقود الشراكة مع الدولة وآليات التنسيق بين مختلف المتدخلين، وفق مقاربة تنبني على مبدَأيْ التدرج والتمايُز بين الجهات وتراعي قدرتها على الاضطلاع بالاختصاصات المشتركة والمنقولة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى