سياسة

ملف الاحد: المغرب يواصل حملة التطهير ضد الفساد: هل هي بداية لتخليق المرفق العام؟؟والقطع مع الممارسات السابقة؟ أو هي إعادة الثقة الى الأحزاب؟

فاس24: عبد الله مشواحي الريفي

شهدت الساحة السياسية المغربية في الآونة الأخيرة توقيف عدد من السياسيين، بينهم برلمانيون ومنتخبون في الجماعات المحلية، في قضايا فساد مالي واتجار في المخدرات، ولقيت هذه الملاحقات القضائية استحسانا لدى الرأي العام، كونها ستسهم في تطهير المؤسسات المنتخبة من الفاسدين وستعيد الثقة بالعمل السياسي.

وأصدرت المحكمة الدستورية في الفترة الاخيرة قرارات بتجريد أكثر من 5 برلمانيين من عضويتهم في مجلس النواب، بعد صدور أحكام قضائية نهائية تدينهم في قضايا مختلفة فيما ملفات قضائية مفتوحة في وجه أكثر من 23 اخر.

ويتعلق الأمر ببرلمانيين ينتمون لأحزاب الأغلبية الحكومية والمعارضة، صدرت في حقهم أحكام قضائية في قضايا تتراوح بين الابتزاز والارتشاء والتزوير وتبديد واختلاس أموال عمومية وإصدار شيكات بدون رصيد والنصب والاتجار الدولي في المخدرات.

وقرر مجلس النواب إحالة ملفات 4 نواب برلمانيين آخرين على المحكمة الدستورية، من أجل تجريدهم من عضويتهم بالمجلس، وصدرت أحكام قضائية تقضي بعزلهم من عضوية المجالس الجماعية التي كانوا منتخبين بها لتورطهم في ملفات جنائية.

من جهة أخرى، يُتابَع حوالي 20 برلمانيا ينتمون لأحزاب من الأغلبية والمعارضة في ملفات تتعلق بالفساد المالي وتبديد أموال عمومية والاتجار في المخدرات، منهم من لا يزال في طور التحقيق مع إغلاق الحدود في وجههم ومنعهم من السفر الى الخارج، ومنهم من تم إيداعه السجن بعد صدور أحكام ابتدائية في حقهم ومنهم من لا يزال طور المحاكمة.

وكان آخر هذه الملفات المفتوحة إعتقال البرلماني الاستقلالي أكريمن مع أكبر مدير شركة”أوزون” تلهف أموال الدولة في صفقات متعددة ويتعلق الامر بالمسمى عزيز البدراوي وكذلك استدعاء البرلماني ورئيس المجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير محمد السيمو، وهو المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة مع 12 موظفا من الجماعة، للتحقيق في شبهات تتعلق بتبديد أموال عمومية، وقرر قاضي التحقيق أمر بإغلاق الحدود في وجه البرلماني وحجز جميع ممتلكاته.

وتطرح الملاحقات القضائية ومحاكمات هذا العدد الكبير من البرلمانيين والمنتخبين أسئلة حول مصداقية المؤسسات المنتخبة والأحزاب السياسية المنهوكة التي باتت تفرز نخبة فاسدة همها هو سرقة المال العام من أجل الاغتناء والدفع الى تنفيذ السطو على ممتلكات الدولة فضلا عن تورط مجموعة كبيرة في ملفات التزوير.

و مع تنامي ظهور الفساد داخل المنتخبين من برلمانيين و منتخبين و مسؤولي فرق رياضية و مدراء شركات عملاقة حتى سارعت مختلف الجهات الأمنية و القضائية و وزارة الداخلية الى إحالة العشرات من الملفات على القضاء وهي خطوة استباقية لإعلان عملية التطهير الشاملة.

وكانت البداية بتحريك ملفات قضائية تتعلق بجرائم الأموال والرشوة وتبديد أموال عمومية، والشطط في استعمال السلطة، وبعدها بدأت مرحلة ثانية من الملاحقات منذ العام الماضي لمنتخبين في البرلمان والمجالس المنتخبة، بتهم تتعلق بالاتجار في المخدرات”. مع العلم أن المتهمين والمشتبه بهم في هذه القضايا يغطون بغطاء مختلف الأحزاب السياسية، وبشكل أساسي الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف الحكومي، وهي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال وكذلك حزب الحركة الشعبية الذي بات وزيره السابق يقبع في السجن ويتعلق الامر بمبديع فيما يتابع وزير سابق أخر وهو حركي في حالة سراح مؤقت مع إغلاق الحدود في وجهه.

ويبدو أن المتورطين في هذه الملفات تقلدوا مواقع قيادية في أحزاب حكومية وفي المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان، يعد بمثابة عملية اختراق منظمة للأحزاب السياسية، وبالتالي توظيف هذه الأحزاب ومن خلالها المؤسسات المنتخبة في تغطية فسادهم، وهو ما يعد أمرا خطيرا على العملية الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة”.

ومع تقلد شخصيات سابقة كانت متورطة في تجارة المخدرات والفساد المالي مناصب مهمة في مؤسسات الدولة، وجاء في سياق اتسم بقتل السياسة وضعف الثقة في المؤسسات المنتخبة والوسيطة، مثل النقابات والأحزاب والبرلمان والمجالس الجماعية”.

الملاحظات التي يمكن استنتاجها بخصوص المتابعات القضائية الأخيرة للمنتخبين، يرتبط أولها بالبناء المؤسساتي الذي يجب أن يتعزز وتمنح له صلاحية الممارسة الاستباقية لمواجهة هذا النوع من الجرائم المرتبطة بالأموال أو المخدرات أو استغلال النفوذ مع دعم استقلالية القضاء في ممارسة مهامه.

وحول ما إذا كانت هذه الحملة ستساهم في إعادة الثقة بالعمل السياسي وترميم صورة الأحزاب، التي فقدت تأثيرها على الناخبين وأدوارها في الوساطة، فإن  هذه الحملة ستساهم نوعا ما في تنظيف الأحزاب السياسية من تجار المخدرات والفاسدين المعروفين بفسادهم، وهي في نظره بمثابة “فرصة لها لإعادة ترميم صورتها وإعادة بناء نفسها إن هي أرادت ذلك”.

وباتت الأحزاب السياسية بحاجة إلى تعاقد جديد مع الناخبين وفيما بينها، يتم بموجبه “طرد كل من حولهم شبهات الاغتناء من المال العام والاغتناء غير المشروع والاتجار في المخدرات وإخراجهم من الحياة السياسية”.

وأمام الدولة أيضا فرصة لإعادة تأهيل الحياة السياسية وتأهيل المؤسسات السياسية لتكون في مستوى المرحلة، مضيفا أن “بناء الثقة في العمل السياسي والمؤسسات هو مسار يمكن أن يبدأ مع هذه الحملة.

وأن هذه الملاحقات القضائية والمحاكمات للمشبوهين في قضايا الفساد والاتجار في المخدرات قد تقوي من صورة مؤسسات إنفاذ القانون أو مؤسسات الدولة، لكن في مقابل ذلك ستضعف لا محالة من صورة السياسي، وهي صورة سلبية في كل الحالات وجب على الجميع وذوي الضمير الوطني الانخراط لإعادة الحياة السياسية الى مجراها الطبيعي من خلال تأطير المواطنين والمساهمة في بناء الدولة والحفاظ على مؤسساتها.

استعادة الثقة تعني أن تكون الانتخابات في عمومها براهن تهم الدولة، ولكن أيضا تهم استقرار واستمرار المرفق العمومي والدفاع على المكتسبات وتحصين الدولة وهي في غاية الاهمية للقطع مع أساليب شراء الأصوات بالمال المشتبه في مصدره.

وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي دعا اليه جلالة الملك محمد السادس وكذا مبدأ المساواة أمام القانون الذي يسهر عليه جلالته من شأنه تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة، سواء تلك المتعلقة بمؤسسات إنفاذ القانون أو السلطة القضائية، وهي ثقة في المحصلة النهائية تقوي من مشروعية الدولة داخل المنتظم الدولي.

و القطع مع الفساد و ملاحقة المفسدين سيخرج المغرب من خانة الدول المصنفة في اسفل الترتيب خاصة في محاربة الفساد، و هي إشارة قوية كان قد أعلن عليها جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير و هو الدفع بشعار “الجدية” في كل المجالات و كذا ربط المسؤولية بالمحاسبة لملاحقة أي شخص كيفما كان موقعه ومنصبه.

واتضحت الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس عندما أبرق مؤخرا رسالة الى البرلمان في ذكرى 60 لتأسيسه داعيا فيها مجلس النواب والمستشارين الى إعلان مدونة أخلاقية جديدة وهي البداية للقطع مع ما كان سائدا والدفع بتطهير الأحزاب من الداخل والدعوة الى مؤتمرات وطنية لإفراز قيادات جديدة ونخبة صافية الذمة قادرة بطرق شفافة للمساهمة في تطوير البناء الديموقراطي بالمملكة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى