قضايا

فضيحة “المليار المفقود”: صندوق “المحكمة” يفضح شبكة فساد تهزّ العدالة!

لم تعد محاكم المغرب مجرد ساحة للفصل بين الناس، بل تحولت في بعض الأحيان إلى “صناديق سوداء” تختفي منها أموال المواطنين تحت ستار الإجراءات الإدارية. وقد تفجرت أحدث وأخطر هذه الفضائح في المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب، حيث كشفت تحقيقات أولية عن اختفاء مبلغ مالي ضخم يُقدّر بـ حوالي مليار سنتيم، مبالغ تمثل حقوقاً ومستحقات لمواطنين ضعفاء.

في تحرك حاسم وغير مسبوق، أناط الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة مهام التحقيق في هذه الجريمة الخطيرة بضباط المكتب الوطني لمكافحة الجرائم المالية والاقتصادية، التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء.

وقد استبقت النيابة العامة أي محاولة للهروب، موجهة تعليمات فورية بإغلاق الحدود في وجه المسؤول المباشر عن صندوق كتابة ضبط المحكمة. هذا الإجراء جاء بعد أن توارى الموظف عن الأنظار، مدعياً المرض بشهادات طبية، قبل أن يعود إلى مقر عمله فور علمهم بقدوم لجنة تفتيش من وزارة العدل، ما يؤكد شبهات التلاعب والمحاولة للتهرب من المساءلة.

تكمن فداحة هذه الفضيحة في أن الأموال المختلسة ليست مجرد أرقام في دفاتر، بل هي حقوق مكتسبة وحياة أفراد معلقة بها. لقد فجّرت “الحاضنات” (المستفيدات من مبالغ النفقة) هذه القضية، بعدما اكتشفن اختفاء مستحقاتهن من الصندوق.

ماذا سُرِق من صندوق العدالة؟

  • مبالغ النفقة والحضانة: أموال أودعها الأزواج لصالح النساء والأطفال، وهي شريان حياتهم.
  • الكفالات المالية: المبالغ التي وضعها المتهمون كضمان للحصول على السراح المؤقت.
  • الغرامات والرسوم القضائية: عائدات الدولة من متقاضين ومخالفين لقانون السير.
  • تعويضات الضحايا: أموال مخصصة لضحايا حوادث السير والشغل بموجب أحكام تنفيذية.

التحقيقات الأولية كشفت أن هذه المبالغ لم تجد طريقها لا إلى الخزينة العامة للمملكة ولا إلى أصحاب الحقوق الشرعيين. بل الأكثر إثارة للريبة هو تداول تقارير عن تلقي امرأة مبالغ مالية لا تستحقها، ما يشير إلى أن الاختلاس لم يتم بطريقة عشوائية، بل من خلال شبكة من التحويلات المشبوهة والتواطؤ الإداري.

تواصل لجنة التفتيش الوزارية عملها المكثف في مكاتب ومرافق المحكمة، متوازية مع التحقيق الجنائي الذي يقوده ضباط المكتب الوطني. إن الأبحاث الأولية قد “حبست أنفاس” العديد من الموظفين والمسؤولين، الذين باتوا ينتظرون نتائج البحث التمهيدي لتحديد المسؤوليات.

إن هذه الفضيحة تكشف عن تهالك في الرقابة الداخلية لوزارة العدل، وعن وجود ثغرات قاتلة سمحت لموظف واحد بالتصرف في أموال عامة وخاصة بهذا الحجم طيلة شهور.

المطلوب الآن ليس مجرد استرجاع الأموال، بل تطبيق مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة بكل حزم، وتحديد المسؤولين عن هذا التراخي الإداري والمالي الذي يمس جوهر الثقة في المؤسسة القضائية. على الفرقة الوطنية أن تفك شفرات هذه الشبكة بالكامل، لتثبت أن لا حصانة ولا مفر لمن يمد يده إلى جيوب المواطنين تحت غطاء الإدارة القضائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى