قضايا

فاس 24 تفتح الملف الأسود: جرائم البرلماني “قنديل” وشبهات المكتب الجديد تُغرق جماعة سيدي حرازم

في وقت لا تزال فيه جلسات محاكمة النائب البرلماني والرئيس السابق لجماعة سيدي حرازم محمد كنديل، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، جارية أمام غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس، تتسع دائرة الاتهامات وتتصاعد وتيرة الفضائح التي تهز أركان هذه الجماعة منذ سنوات.

مصادر فاس 24 أكدت أن لعنة المتابعات القضائية لم تعد مقتصرة على الرئيس السابق، بل طفت إلى السطح شكاية جديدة موجهة ضد المكتب الحالي و الذي ينتمي جل أعضائه الى نفس الحزب، الذي خلف كنديل في تدبير الشأن المحلي، حيث توصلت بها النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بفاس، وتتعلق بخروقات وتجاوزات في التدبير، مما يعزز فرضية استمرار منظومة الفساد نفسها، وإن تغيرت الأسماء.

فساد ممنهج بدأ منذ عقود

محمد كنديل، الذي ترأس جماعة سيدي حرازم لأزيد من ثلاثين سنة، بات اليوم في قلب محاكمة ثقيلة، بعد أن رصد قضاة المجلس الجهوي للحسابات بجهة فاس-مكناس اختلالات جسيمة شابت تدبير المنتجع السياحي “سيدي حرازم” الذي حوله إلى خراب، ما شكل أساسًا للمتابعة القضائية المرفوعة ضده بتهم تبديد واختلاس أموال عمومية.

في تقارير مفصلة، وقف القضاة على فوضى في استغلال الملك العمومي، حيث لاحظوا، خلال زيارات ميدانية بتاريخ 22 ماي و4 يونيو 2023، أن العشرات من الأفراد يحتلون الملك الجماعي بدون ترخيص، خصوصًا بمحيط المشربتين الأولى والثانية والمساحات الخضراء، وهو ما حوّل المنتجع إلى سوق مفتوح، يتم فيه كراء أماكن جلوس للزوار مقابل 20 إلى 40 درهمًا، إضافة إلى عرض وبيع منتوجات غذائية وتقليدية في ظروف غير قانونية.

ومع تزايد التجاوزات، أصبح المنتجع بمثابة ملاذ غير قانوني للعديد من الأنشطة التجارية، التي تضر بصورة المنتجع وتُسهم في تشويه طابعه السياحي. وتستمر سلسلة الفوضى التي أساءت للمنطقة وتحولت إلى كارثة بيئية وعمرانية، حيث لا يقتصر الأمر على الفوضى في احتلال الملك العمومي، بل يتعدى ذلك إلى تشويه المناظر الطبيعية بما في ذلك استخدام خيام وبيوت قصديرية ومواد القصب، التي تحولت إلى عشوائيات تشوّه واجهته.

منتجع سيدي حرازم، الذي كان يشكل وجهة سياحية مرموقة، أصبح اليوم منطقة مهجورة ومليئة بمظاهر الفقر والفوضى، وكان ذلك بإيعاز من المجالس المنتخبة المتعاقبة، التي استغلت المنطقة لأغراض انتخابية، مما حولها إلى خزان انتخابي على حساب المال العام. ففي خطوة مكشوفة، سعت هذه المجالس إلى توظيف الفقراء والعائلات الهشة لجني الأصوات الانتخابية، دون مراعاة المصلحة العامة أو الحفاظ على الهوية السياحية للمنتجع.

المنتخبون هم من تسبّبوا في هذا الخراب؛ فبدلاً من الاستثمار في تنمية مستدامة، اختاروا استغلال الأموال العامة بطريقة فوضوية، مما جعل المنطقة تتحول إلى ملاذ للمشاريع العشوائية على حساب السياحة والاقتصاد المحلي.

اليوم، ومع تزايد الاتهامات ضد محمد كنديل، يبرز السؤال الأكثر إلحاحًا: هل سيستمر هذا الانهيار تحت إشراف المكتب الجديد للجماعة، أم أن هناك أملًا في إصلاح حقيقي يعيد الحياة للمنتجع ويستعيد مكانته بين الوجهات السياحية في المغرب؟

بيع مياه الشرب والهيمنة على مرافق عامة

الأكثر خطورة، حسب تقرير المجلس، هو قيام بعض المحتلين بفرض مبالغ مالية مقابل الحصول على مياه الشرب من صنابير المشربتين، في سلوك وصفه القضاة بأنه يمثل استغلالًا بشعًا للمرافق العمومية، في غياب تام لأي تدخل أو ردع من طرف الجماعة.

ومع استمرار هذا الوضع، تجاهلت الجماعة اتخاذ أي إجراءات للحد من ظاهرة الاحتلال غير القانوني، حيث رفض المجلس، في دورته العادية لماي 2023، المصادقة على نقطتين مهمتين: تحديد ثمن افتتاحي لبيع متلاشيات الأكشاك التي احترقت، والمصادقة على بيعها. قرار الرفض فوت على الجماعة إمكانية تحصيل موارد مالية، وأبقى الوضع كما هو عليه، بل وعمّق أزمة استغلال الملك العمومي.

استثمارات مشبوهة في حديقة الترفيه

ضمن نفس التحقيق، توصل المجلس الجهوي للحسابات إلى وجود تجاوزات خطيرة في مشروع حديقة الترفيه الجماعية، التي تم كراؤها لمدة 9 سنوات ابتداءً من 2014، بموجب عقد إيجار بلغ سنويًا 400.500 درهم، مقابل التزام المكتري بإنجاز استثمارات تفوق 13 مليون درهم، على أن تؤول تجهيزاتها إلى الجماعة لاحقًا.

غير أن المكتري شرع في الأشغال دون التوفر على رخصة بناء، وخالف دفتر التحملات، مما دفع عامل عمالة فاس إلى إصدار ثلاثة أوامر بالهدم، لم يُنفذ أي منها حتى اليوم. بل صدر في حقه حكم قضائي نهائي بعد متابعته ببناء مسبح للأطفال دون ترخيص، وتم الحكم عليه بغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم وهدم المنشأة.

الجماعة تتهرب من تنفيذ القانون

المثير أن الجماعة، باعتبارها مالكة الملك ومفوضة بتدبير هذا المرفق، لم تتخذ أي إجراءات لتنفيذ أوامر الهدم، كما لم تحِل محاضر المخالفات إلى النيابة العامة، في خرق صريح لمقتضيات المادة 66 من القانون 12.90 المتعلق بالتعمير، والذي يُلزم رؤساء الجماعات بإيداع الشكايات لدى وكيل الملك ومراسلة عامل الإقليم.

ورغم وجود محاضر أنجزتها لجان مختلطة وموظفو الجماعة، فإن رئيسها لم يوجهها للقضاء باستثناء محضر واحد، تم تتبعه قضائيًا، ما يؤكد وجود نية واضحة في طمس معالم المخالفات والتستر عليها.

تلاعبات في الرخص والتوثيق

التحقيق الذي أجرته فاس 24 بناءً على وثائق المجلس الجهوي للحسابات، أظهر تغييرات تدليسية في مراجع رخص الإصلاح المسجلة بمصالح الجماعة، منها رخصة تحمل رقم 2019/24، التي غابت عن ملفات التعمير رغم كونها رسمية. كما تم رصد عدادات كهرباء داخل الحديقة دون أي وثيقة تثبت منح رخص الربط، ما يطرح سؤالًا جوهريًا حول شفافية التسيير ومدى خضوعه للقانون.

وفي سابقة مثيرة، أعد رئيس الجماعة السابق قرارًا بتاريخ 11 غشت 2017 يقضي بفسخ عقد الإيجار مع المكتري، لكنه غير مرقم وغير موقع رسميًا، وتم التشطيب على توقيع الرئيس بالمداد الأزرق، ما يُعد مؤشرًا صريحًا على وجود تلاعب بالقرارات الإدارية.

المكتب الجديد في قلب العاصفة

وبينما كان يُنتظر من المكتب الجديد للجماعة أن يقطع مع ممارسات الماضي، تفجرت شكاية جديدة وُجهت للنيابة العامة بمحكمة الاستئناف بفاس، تخص شبهات تدبيرية خطيرة داخل نفس الجماعة، وتُشير إلى أن بعض أعضاء المجلس الحالي قد يكونون ضالعين في التغطية على مظاهر الفساد الإداري والمالي، بدل تصحيح المسار.

كل هذه المعطيات تدفعنا في فاس 24 إلى دق ناقوس الخطر: هل جماعة سيدي حرازم تحولت إلى وكر للخرق المنظم للقوانين؟ ولماذا لم تبادر السلطات المحلية والقضائية إلى تفعيل رادع حقيقي ينهي عهد الإفلات من العقاب؟

فاس تحت مجهر العدالة

ما يجري في سيدي حرازم ليس معزولًا عن السياق العام لمدينة فاس، حيث تتوالى فضائح منتخبي حزب التجمع الوطني للأحرار، وسط غضب شعبي متزايد وأسئلة عن جدوى المحاسبة. ويبدو أن المدينة تسير نحو إعادة فتح ملفات جماعات أخرى، في حال ظل واقع “التدبير المشبوه” هو السائد.

تبقى كلمة الفصل اليوم بيد القضاء، لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الفساد في سيدي حرازم لم يعد سرًا، بل بات معطىً موثقًا في تقارير رسمية وأحكام قضائية.. فهل تتغير المعادلة أخيرًا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى