عاصفة اتحادية بفاس: لشكر يُطرد من اللقاء… وشفيق يُحكم قبضته على الحزب وسط صراع محموم وانهيار الزعامة اليسارية

في مشهد غير مسبوق يُجسّد حجم التصدع الداخلي والانهيار الأخلاقي والسياسي الذي يعيشه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مُنع الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، من ترؤس اجتماع حزبي كان مبرمجًا امس الخميس بمقر الحزب بمدينة فاس، بسبب احتجاجات صاخبة وفوضى عارمة عمّت المكان.
مصادر متطابقة أكدت أن الأجواء كانت مشحونة للغاية، بعد أن حاول العشرات من مناضلي الحزب الغاضبين التصدي لدخول الكاتب الإقليمي وعضو المكتب السياسي، جواد شفيق، إلى المقر، حيث حضر محاطًا بحراسة خاصة، في مشهد لا يليق بحزب يُفترض فيه أن يراهن على الديمقراطية الداخلية لا على الحماية الأمنية.
الغاضبون، الذين رددوا شعارات منددة بما سموه “التحكم السلطوي” و”الإقصاء الممنهج”، طالبوا بإبعاد شفيق عن تدبير شؤون الحزب بفاس، متهمين إياه بتحويل المكتب الإقليمي إلى ضيعة شخصية، تُدار بمنطق الولاءات لا الكفاءات، ما أجبره في نهاية المطاف على مغادرة المكان تحت ضغط الاحتجاج، تلاه إدريس لشكر بعد أن فشل في تهدئة الوضع.
ورغم عودة لشكر لاحقًا إلى المقر في محاولة يائسة لإنقاذ ماء وجهه السياسي، إلا أن رمزية المشهد كانت أقوى من أي خطاب، حيث انكشف عجز القيادة الحزبية عن احتواء أزماتها الداخلية، وظهر حجم التصدع بين تيارين متناحرين: تيار شفيق المتشبث بالوضع القائم، وتيار ياسين جوهر، رئيس مقاطعة فاس المدينة ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الإقليمي، الذي يمثل ما تبقى من أصوات تطالب بالتغيير مع العلم انه هو ذاته يجب أن يشمله التغيير و قد اظهر عجزه في تدبير مقاطعة فاس المدينة ورئيس داخل مجلس جماعة فاس .
احتقان داخلي وسقوط الزعامة
ما جرى بفاس ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل انهيار الاتحاد الاشتراكي، الذي لم يعد يُنجب زعماء بل يُنتج “مناضلين منبطحين”، حسب تعبير بعض الاتحاديين، ممن يرون في الحزب اليوم مؤسسة فارغة من مضامينها التاريخية، بعدما باع لشكر ما تبقى من رصيدها النضالي لتحالفات انتهازية، في مقدمتها التحالف مع عزيز أخنوش، الذي حوّل الاتحاد إلى ملحق حكومي فاقد للبوصلة.
لقد أضحى الحزب، في عهد إدريس لشكر، رهينة مصالح فئوية ضيقة، يقودها مستفيدون من العتمة التنظيمية، يعادون أي تغيير حقيقي، ويُجيدون خنق كل صوت معارض، وهو ما تجسّد في التصعيد الذي عرفه لقاء فاس، حين أُرغمت القيادة على الفرار أمام هدير قاعدة حزبية غاضبة.
حزب يحتضر… وقيادة على الهامش
فيما تتبادل الصفحات الاتحادية الاتهامات على منصات التواصل، بين من يصف المحتجين بـ”البلطجية” ومن يرى فيهم “الشرارة الأخيرة قبل الاحتضار التام”، يبقى السؤال المطروح: هل ما زال للاتحاد الاشتراكي مكان في المشهد السياسي، أم أن الحزب دخل فعلاً مرحلة ما بعد الموت السريري؟
الصورة اليوم قاتمة: قيادة مترهلة، صراعات جهوية، مكاتب إقليمية محكومة بمنطق الغنيمة، وزعامات يسارية تاريخية لفظت أنفاسها الأخيرة وسط صمت مريب. أما إدريس لشكر، فقد خرج من لقاء فاس لا كقائد، بل كسياسي منبوذ داخل قواعد حزبه، بعدما اختار أن يُحكم قبضته على الخراب بدل فتح الأبواب أمام تجديد حقيقي.