ضربة استباقية بالأطنان.. إحباط تهريب 5 أطنان من الشيرا يكشف وجه “مافيا العبور”

في عملية نوعية تنم عن يقظة الأجهزة الأمنية والجمارك، تمكنت عناصر الجمارك بتنسيق محكم مع فرقة أمنية متخصصة بميناء طنجة المتوسط، خلال الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 17 يونيو 2025، من إحباط واحدة من أكبر محاولات تهريب المخدرات نحو أوروبا، بعد ضبط شاحنة للنقل الدولي محمّلة بما يقارب 5 أطنان من مخدر الشيرا، كانت في طريقها إلى ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني.
وبحسب معطيات خاصة حصلت عليها جريدة “العمق”، فإن الشاحنة كانت محملة رسمياً بكمية من الفلفل كمادة تمويهية، غير أن عملية التفتيش الدقيق مكنت من اكتشاف الكمية الكبيرة من المخدرات، التي تم إخفاؤها بإتقان داخل مقطورة الشاحنة. وتواصل السلطات الأمنية المختصة تفريغ الشحنة لتحديد الوزن النهائي للمواد المهربة، وسط حالة استنفار أمني داخل الميناء.
وقد جرى توقيف سائق الشاحنة، وهو مغربي الجنسية، ووُضع رهن الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة المختصة، في انتظار تعميق البحث لمعرفة الشبكة التي تقف خلف هذه العملية، ومساراتها المحتملة داخل وخارج التراب الوطني.
العملية الجديدة ليست مجرد نجاح أمني عابر، بل تعكس أكثر من دلالة استراتيجية في التوقيت والسياق:
-
ضبط الممر الحدودي الأكثر حساسية:
ميناء طنجة المتوسط، بوصفه أحد أكبر المعابر التجارية واللوجيستيكية بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ظل في مرمى محاولات متكررة لشبكات الاتجار الدولي بالمخدرات. والعملية الأخيرة تعيد التأكيد على كونه جبهة متقدمة في الحرب على التهريب العابر للحدود. -
عصر ما بعد التجاوزات: الجمارك تعيد التموقع
خلال السنوات الأخيرة، تعرضت أجهزة الجمارك المغربية لانتقادات حادة بخصوص ضعف الرقابة أحياناً أو تواطؤ عناصر محدودة في بعض المعابر. لكن العملية الأخيرة تعكس إرادة واضحة في إعادة الاعتبار لدور الجمارك كمؤسسة سيادية في ضبط الحدود، بعد إعادة هيكلة داخلية وتحسين التنسيق مع الفرق الأمنية المتخصصة. -
ضبط المافيات في مهدها
الطريقة الاحترافية في التمويه، واستخدام المنتجات الفلاحية في النقل، توحي بوجود شبكة إجرامية منظمة لها امتدادات داخلية وخارجية. وهو ما يجعل من هذه العملية مؤشراً على أن الأجهزة الأمنية المغربية بصدد تفكيك خلايا كبرى قبل وصولها إلى عمق أوروبا. -
الرسالة إلى الشركاء الأوروبيين
لا تنفصل هذه العملية عن السياق الدولي، حيث تُعد مكافحة تهريب المخدرات من شمال إفريقيا نحو أوروبا محوراً أساسياً في التعاون الأمني بين المغرب وشركائه الأوروبيين، خاصة إسبانيا وفرنسا. وبالتالي فإن العملية تمثل رسالة طمأنة للاتحاد الأوروبي بجدية المغرب في ضبط حدوده ووقف نزيف “القنب العابر للقارات”.
رغم نجاح العملية، فإنها تُسلط الضوء مجدداً على تعقيد شبكات التهريب الدولية التي تنجح في اختراق سلسلة من الرقابات الجمركية والأمنية، قبل أن تُحبط في اللحظات الأخيرة. وهو ما يطرح تساؤلات حول:
-
مدى الاختراق البنيوي لهذه الشبكات للمنظومة اللوجستيكية والنقل الدولي.
-
الحاجة إلى تطوير آليات التفتيش الذكي (scanners، الذكاء الاصطناعي، قواعد البيانات المتقدمة).
-
تعزيز التعاون الاستخباراتي مع الدول الأوروبية لملاحقة رؤوس الشبكات لا فقط السائقين المنفذين.
العملية الناجحة بميناء طنجة المتوسط ليست سوى حلقة من حرب طويلة الأمد تخوضها الدولة المغربية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود. وإذا كانت كمية 5 أطنان من الشيرا كفيلة بتمويل جرائم متعددة في الضفة الشمالية للمتوسط، فإن إحباطها اليوم، وفي هذا التوقيت بالذات، هو تجسيد حقيقي لشعار أن حماية الأمن الوطني تبدأ من ضبط الحدود، وتأكيد على أن الدولة لم تعد تتسامح مع من يعبث بثرواتها وأمنها عبر “ممرات التهريب المموهة”.