زلزال التفتيش يضرب الجماعات: تحريك المتابعات القضائية يضع المنتخبين أمام المساءلة الجدية

تعيش الجماعات الترابية على وقع تحركات غير مسبوقة، عقب الحركة الانتقالية الأخيرة التي باشرتها وزارة الداخلية، والتي حملت رسائل واضحة بأن زمن الإفلات من المحاسبة قد ولى، وأن عهد التسيب في التسيير المحلي بات على وشك الانتهاء.
في قلب هذه الدينامية، يبرز دور والي الجماعات المحلية، الذي بات يشكل حجر الزاوية في مراقبة ومواكبة عمل المجالس المنتخبة، وضمان التنزيل الصارم للتوجيهات المركزية المتعلقة بالحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
تعيين محمد فوزي والياً مفتشاً عاماً للإدارة الترابية جاء ليعزز هذا التوجه، حيث يُنتظر أن تنطلق موجة جديدة من المراقبة الدقيقة والتدقيق في عمل الجماعات، عبر تقارير التفتيش التي أنجزتها لجن مركزية خلال الأشهر الماضية، والتي رصدت اختلالات وصفت بـ”الخطيرة”، من شأنها أن تضع منتخبين ورؤساء جماعات في دائرة العزل أو المتابعة القضائية أمام محاكم جرائم الأموال.
مصادر مطلعة كشفت أن تقارير التفتيش، التي شملت عدداً من الجماعات الواقعة ضمن النفوذ الترابي لأقاليم خضعت للحركة الانتقالية، تتضمن معطيات دقيقة حول تجاوزات في تدبير الجبايات المحلية، وتوزيع الرخص، والصفقات العمومية. كما أبانت هذه التقارير عن علاقات مشبوهة بين منتخبين ومقاولين، ظلت تفوز بعقود وصفقات بشكل متكرر ومريب، ما يثير شبهات حول تضارب المصالح واستغلال النفوذ.
المصادر ذاتها أكدت أن مصالح وزارة الداخلية، بتوجيه من الولاة الجدد وتحت إشراف مركزي مباشر، شرعت في إحالة هذه التقارير إلى رؤساء الجماعات المعنيين عبر العمال الجدد، مرفقة باستفسارات رسمية، تمهيداً لاتخاذ قرارات قانونية قد تصل إلى حد العزل أو الإحالة على القضاء.
وبموجب المقتضيات القانونية، خاصة المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 113.14 والمادة 142 من القانون التنظيمي رقم 59.11، يملك الولاة والعمال صلاحية إصدار قرارات بالتوقيف المؤقت أو العزل في حال ثبوت الإخلال الجسيم بالمهام أو صدور أحكام قضائية نهائية ترتب فقدان الأهلية الانتخابية.
وتُظهر المؤشرات الأولية أن عدداً من المنتخبين شرعوا في محاولات استباقية لعقد لقاءات مع العمال الجدد لاحتواء الموقف أو تبرير بعض التجاوزات، خاصة تلك التي تسببت في تجميد مشاريع حيوية ظلت معلقة منذ سنوات، ما يبرز حجم الاختلال الإداري والجمود الذي عانت منه بعض الجماعات بسبب سوء التدبير أو استغلال المنصب.
في هذا السياق، تبدو وزارة الداخلية، عبر أذرعها الرقابية، عازمة على إنهاء حالة “الحصانة غير المعلنة” التي كان يتمتع بها بعض المنتخبين، وإعادة الاعتبار لسلطة القانون في تدبير الشأن المحلي. فالمرحلة المقبلة مرشحة لتشهد تحريك ملفات ثقيلة قد تعيد رسم الخريطة السياسية قبل استحقاقات 2026، عبر إسقاط أسماء لطالما اعتُبرت فوق المساءلة.
الواضح اليوم أن التوجه الجديد لا يستثني أحداً، وأن أعين التفتيش موجهة نحو كل منتخب استغل منصبه للإثراء أو التلاعب بالمشاريع والصفقات العمومية. إنها مرحلة جديدة تُؤسس لثقافة سياسية قوامها الشفافية، والمحاسبة، وتكافؤ الفرص، بدل الزبونية والولاءات الضيقة.