مجتمع

روبورتاج: رمضان و اهالي زلزال الحوز بين الظروف السيئة و الوقوف على الاطلال و الدعوات لآهالي غزة

 

منذ عقود طويلة لم يمر شهر رمضان عليهم خارج منازلهم، لكن هذا العام جاء بشكل مغاير، بعد أن فرضت عليهم ليلة الثامن من شتنبر 2023، البقاء في الخيم والمنازل المتنقلة حتى الآن.
و يعيش الآلاف من سكان مناطق إقليم الحوز هذا العام في الخيام منذ أن ضرب الزلزال منطقتهم في 8 سبتمبر 2023، إذ يقضون رمضان في أجواء مغايرة عن السنوات الماضية، دفعت جمعية محمد الخامس للتضامن و السلطات و  المتبرعين والجمعيات لتكثيف الجهود والاهتمام بشكل خاص بتلك المناطق، التي يتساءل أهلها عن فترة إعادة الإعمار، حتى يعودوا إلى منازلهم مرة أخرى.

داخل خيمة منهكة بقساوة الشتاء ، يوزع العم عبد الكبير حساء “الحريرة” في انتظار أذان المغرب، ويقول “أتانا رمضان هذا العام تحت الخيام، الجو بارد لم نشعر فيه بجوع أو عطش. الحمد لله كان اليوم طيبا، رغم الظروف السيئة داخل الخيمة، لكن لا بد من الصبر”.

“الإنسان يقضي يومه بما قسمه له الله”، تقول ثورية زوجة عبد الكبير مشيرة إلى المائدة مُعرّفة مصدر طعام بينه ما جاد به المتعاطفون.

في ركن من الخيمة وُضع تلفاز صغير، تقول ثورية بنبرة صوت بها وجع “ذكّروني بوقت الزلزال”، ويشاركها الزوج شعورها ويتابعان المسلسل الأمازيغي “بابا عْلي” في لحظة تقتسمها -عند الإفطار- معظم عائلات القرية، وكأن المشهد الذي استهل به المسلسل قد أعاد إلى أذهانهم شعور الألم ومشاهد الدمار.

“فقدنا أبناءنا ومعهم أملاكنا.. وحدي من نجا”. مشهد من المسلسل رأى فيه بَدر ابن عبد الكبير قصة لحْسن الناجي الوحيد من أسرته، وانتاب الانطباع نفسه غيره من أفراد القرية الذين التقتهم الجزيرة نت بعد صلاة التراويح.

ويقول سعيد شاب ثلاثيني “تألمت وأنا أتابع المشهد، لقد عاد بي إلى الوراء ولما حدث للحْسن. كنتُ حاضرا ولا تغيب عن ذهني لحظة انتشال جثة زوجته وهي تحتضن طفلها”.

في صباح اليوم التالي، يقول لحْسن ووجدناه عند باب دكانه يرتب بضاعته، واستقبلنا بابتسامة لطيفة تسلّلت من وسط تقاسيم وجهه الحزين.

“كيف حالك يا عم؟”. رحب بنا وأجاب: الحمد لله على كل حال. وقال  “فقدتُ جميع أفراد أسرتي، زوجتي وطفلي وبناتي الثلاث، لن يكون رمضان هذه السنة مثل سابقه، ذهب البيت الذي يسترنا، ورحلت الأسرة التي تعبنا في رعايتها واعتدنا لمّتها”.

ويضيف وهو ينقل الأشياء من مكان إلى آخر “أحاول هذه الفترة أن أنشغل بأي شيء، أصبحت أعيش كأحمق تلاحقه المواجع، لكن الحمد لله هذا ابتلاء يرزق معه ربي الصبر”.

بعد صلاة عصر أول أيام رمضان، داعبت الأذن أصوات ندية تتلو القرآن الكريم بشكل جماعي، تعقبنا مصدر الصوت، وهناك قابلنا إماما شابا بجلبابه المغربي يتحلق حوله الأطفال داخل ملحق صغير بمسجد مؤقت، شيده متبرعون.

فراش متواضع يجلس عليه أطفال عُلّقت أمامهم سبورة كُتب عليها “تسحّروا فإن في السحور بركة”. فجأة ترتفع أصوات الجمع بتناغم وهم يستظهرون سورة الأعلى، قبل أن يتركهم الإمام للحديث معنا عن أحوال القرية بعد زلزال الحوز.

صادفنا عددا من أبناء القرية يتعاونون من أجل إقامة مسجد خاص بالنساء، ويقول أحد المشاركين “إنه شهر اعتدن فيه الانضمام إلى صلاة التراويح ليعشن أجواءه المتميزة، خاصة بعد قضاء يوم متعب في النهار”.

أثناء الصلاة، يدخل سعيد المسجد مصطحبا طفلته معه ويقول  “آتي بجنّات معي إلى التراويح لتعتاد وتتعلم، ولتستريح الأم وتعتني بشقيقتها حديثة الولادة”، ويضيف “عادة أقضي معظم الوقت بالعمل في مراكش، لكني فضلت قضاء هذا الشهر بجانب أسرتي حتى أعيش معهم أجواء رمضان”.

“لا تنسوا غزة، لا تنسوا فلسطين”، كانت وصية الإمام في آخر موعظته بالليلة الثانية من رمضان، قبل أن يرفع يديه إلى السماء، ويخصص الدعاء لأهل القطاع راجيا من الله أن ينصرهم. ويقول أحد الحاضرين للجزيرة نت “ما قاسيناه هنا بسبب الزلزال جزء يسير جدا مما يعانيه سكان غزة”.

كما كانت أحداث غزة موضوع خيمة عبد الكبير الذي دعانا إلى جلسة شاي بعد الصلاة، وتقول زوجته ثورية “أرى أننا نعيش وضعا مشابها بعض الشيء”، وبعثت بدعوة من داخل خيمتها، لعلها تدثر طفلا أو أما مثلها في تلك الأرض.

هكذا عاشوا أول أيام رمضان، بقلب شاكر وصابر، رغم قساوة الظروف والدمار الذي يُذكّرهم بقصص أقارب رحلوا قبل وقت قصير، لكن حالهم لم يكن أسوأ من حال القرى التي تليهم، خاصة القريبة من القمم المكتسية بالثلوج، كما أن سكانها ليسوا أقل قدرا من أهل هذه القرية في تمسكهم بالصبر والأمل.

ودّعَنا لحْسن بجملة مؤثرة “سأبني بيتي من جديد وأنشئ عائلة وذرية، مرحبا دائما”، وكأنه لم يرد أن تترك حكايته حزنا في القلب وأراد أن يقول للجميع “تشبثوا بالأمل ما دمتم أحياء”. هؤلاء هم سكان جبال الأطلس يشبهون أرضهم، عزائمهم صلبة وأرواحهم معطاءة تحب الخير.

ووفق السلطات فإنها تبذل جهود كبيرة من خلال تنزيل برنامج مساعدات مؤسسة محمد الخامس للتضامن، والعديد من المؤسسات بإيصال المساعدات خلال شهر رمضان إلى المناطق المتضررة.
فيما تقول نجاة، إحدى السيدات من المناطق المتضررة، إن نحو 95 من العائلات ما زالت في الخيام. وتضيف  أن عمليات رفع ركام المنازل بدأت قبل فترة لكنها لم تنته بعد، فيما لم تبدأ عملية إعادة الإعمار حتى الآن.
وفق نجاة، تقضي العائلات في المناطق المتضررة من الزلزال في الخيام، كما كان الوضع في اليوم التالي للزلزال.
وتقوم السلطات المحلية في المغرب بتوزيع مساعدات رمضانية على الأسر المقيمة في المخيمات، فضلا عن مساعدات تصل من بعض الجمعيات إلى المناطق المتضررة.
تتضمن المساعدات الغذائية أطعمة وزيوتا وجميع الاحتياجات التي تلبي حاجتهم خلال شهر رمضان، خاصة أن العديد من المؤسسات خصصت الجزء الأكبر من مساعداتها لأهالي هذه المناطق.

في الإطار، تقول فاطمة الزهراء من منطقة أمزميز، إن العديد من الجمعيات الخيرية في مراكش والمدن القريبة، أرسلت مساعدات غذائية إلى المناطق المتضررة مع بداية شهر رمضان، فيما تتواصل المساعدات حتى الآن.
تشتكي فاطمة من بطء عمليات إعادة الإعمار، خاصة في ظل بقاء الأسر في الخيام لأشهر طويلة، مع غياب الكثير من الأساسيات للحياة.
وفق فاطمة، فإن بعض الجمعيات أعدت “موائد رمضانية” في خيم مجهزة على مدار الشهر، تقدم وجبات الإفطار للأهالي الذين يمكنهم الذهاب إلى الخيمة الرمضانية، وكذلك الأطفال، خاصة في ظل الظروف غير الملائمة في بعض الخيم لإعداد الإفطار داخلها.
وأضافت فاطمة، أن تجمعات العائلات على الإفطار أصبحت بشكل أكبر هذا العام، نظرا للظروف التي فرضها الواقع منذ الزلزال، كما يجتمع الأطفال بشكل يومي في الخيام للاحتفال بشهر رمضان، وقراءة القرآن في مجاميع.
وأسفر الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 سبتمبر عن سقوط أكثر من 2100 قتيل ونحو 2400 مصاب، طبقا للإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية المغربية، فضلا عن تهدم قرى بأكملها.

الكثير ممن ألتقيناهم أجمعوا على الشكر لهم لجلالة الملك محمد السادس و ذلك بالعناية التي يليها لمنطقة الزلزال و ذلك فور وقوعه،و يطالبون من الحكومة التعجيل بتنفيذ التوجيهات الملكية و الدفع قدما للمساهمة منها برفع الحيف و التأخر في الايواء و توفير ابسط شروط العيش في حياة ممزوجة برائحة موت لا زالت تخيم على المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى