ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس و الاستراتيجية الشاملة للنهوض بالاقتصاد الوطني و الثورة الاجتماعية و الديبولماسية الناعمة
لقد بصم المغرب خطوات ملموسة نحو الصعود الاقتصادي بتصنيفه ضمن 5 أهم اقتصاديات القارة الإفريقية وأول بلد مستثمر بها، ووضع موقع “إنسايدر مانكي” الأمريكي، المغرب في المرتبة الأولى ضمن قائمة أفضل 30 مكانا للعيش في العالم لعام 2023. وتم اختيار المغرب كأول بلد إفريقي لاستضافة تنظيم كأس العالم في كرة القدم لعام 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال. كل هذا يُلخص قصة نجاح جلالة الملك محمد السادس في حكم المغرب لمدة 25 سنة.
من يراجع صفحات تاريخ ربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس سيقف أمام تجسيد ملموس للرؤية والحكمة الملكية في الحفاظ على الهوية المغربية الجامعة بمختلف أبعادها ومكوناتها التاريخية والاجتماعية والدينية والثقافية والحضارية ومختلف مناطقها، وهذا ما جسده التعديل الأخير في الدستور بالقول أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
وهذا الانعكاس للهوية المغربية يتمثل في الدبلوماسية التي نهجها وزير الخارجية ناصر بوريطة بتوجيهات من جلالة الملك، وتمثلت بالخصوص في الدفاع عن القضية الوطنية والعودة للاتحاد الإفريقي والانضمام إلى منظمات قارية وإقليمية ودولية جديدة والترشح للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن والفوز برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمساهمة في حل النزاعات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والوضع في ليبيا والسودان واليمن ولبنان وسوريا، وإطلاق مبادرات إقليمية مثل تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، وتعزيز التضامن العربي والإسلامي والإفريقي.
ويمكننا تلخيص أغلب المحطات التاريخية لهذه الفترة من حكم جلالة الملك في ثلاثة قيم أساسية “التلاحم/ التضامن/ التفاعل البناء”. لقد بدأ تلاحم الشعب والعرش منذ مبايعة جلالته ملكا للمملكة المغربية في 30 يوليو 1999، وبالفعل فقد آمن الشعب برؤية الملك محمد السادس لبناء نموذج تنموي جديد يجمع بين عبق التاريخ وعزة وكرامة المغاربة عبر العصور وبين شموخ الحاضر الذي أثبت عن جدارة واستحقاق مكانة المغرب بين الأمم.
هذه السمعة الدبلوماسية اكتسبها المغرب من الشخصية القيادية لجلالة الملك الذي يرفض الاستسلام والانصياع لضغوط الغرب، والذي أرغم الدول الأوروبية على مراجعة وتغيير مواقفها تُجاه المغرب “إسبانيا/فرنسا/هولندا/بلجيكا/ألمانيا/إيطاليا” في إطار سياسة مبنية على الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، وتحولت أغلب الدول الأوروبية إلى مساند أساسي لمبادرة الحكم الذاتي لتسوية قضية الصحراء المغربية. وهنا لا بد من الإشارة إلى القصة المُثيرة لمشاركة جلالة في قمة الأمم المتحدة للمناخ في باريس، حيث رفض جلالته النزول من السيارة ليُستقبل من طرف موظف صغير في الإليزيه، إلى حين خروج الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مصحوبا بالأمين العام الأممي بان كيمون اللذان خصصا استقبالا استثنائيا ورفيعا لجلالته.. فعلا صورة مُلهمة لقادة الدول الافريقية والعربية والإسلامية.
هذا التلاحم الشعبي برز أساسا في أحداث الربيع العربي، عندما تجاوب جلالة الملك بسرعة قياسية وبروح إيجابية، مع مطالب الشارع المغربي، وجسد هذا التلاحم نموذجا في الانتقال السلمي الهادئ والحضاري.
أما قيم التضامن فتُشكل عنوانا لمبادرات جلالة الملك داخل وخارج المغرب أثناء الحروب والكوارث لدعم الأشقاء والأصدقاء وعلى رأسهم أبناء فلسطين خصوصا سكان غزة، واستطاع المغرب في أول مبادرة من نوعها إيصال المساعدات برا إلى أبناء قطاع غزة ضحايا العدوان الإسرائيلي. وأسس جلالته مؤسسة محمد الخامس للتضامن بغية التفعيل الأمثل لمفهوم التضامن ومحاربة الهشاشة والتدخل لمساعدة ضحايا الكوارث الطبيعية مثلما حدث أثناء زلزال الحسيمة أو زلزال الحوز.
وبخصوص قيم التفاعل البناء، فتكمن أساسا في تجاوب جلالته السريع والفعال مع التوجهات المحلية والإقليمية والعالمية لإحداث نظم التسيير والتحول الرقمي والانخراط في مجتمع الذكاء الاصطناعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف الصناعات والأنظمة التكنولوجية وتحويل المغرب إلى قاعدة تجارية حرة نحو أوروبا وإفريقيا لتُحافظ المملكة على مكانتها كهمزة وصل بين القارات ومركزا لصناعة القرار الاستراتيجي الدولي.
من خلاصة القصة الناجحة لربع قرن من حكم جلالة الملك محمد السادس، أن المغرب تحول إلى وجهة استراتيجية للاستثمارات العالمية في القطاعات الاقتصادية الجديدة مثل الطاقات المتجددة وصناعات الطيران والسيارات وتحول أيضا إلى نموذج مُلهم في المنظومة الأمنية والحكامة الدينية المبنية على قيم الوسطية والاعتدال، وكُلنا أمل في مستقبل واعد مليء بالعطاء نعيش فيه المزيد من الازدهار والتألق في عالم المال والاقتصاد وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بسواعد وعقول مغربية لبناء مغرب 2030 يجمع بين إثارة حدث كأس العالم في كرة القدم وارتقاء المملكة إلى مصاف الدول الصاعدة في أجواء إقليمية يطبعها السلم والتضامن والتآزر من أجل البناء المشترك.