سياسة

“دورات الفلوس” تفجر غضب المجالس.. رؤساء الجماعات بين تسيير الشأن العام وتمهيد الطريق لحملاتهم الانتخابية

لم تمضِ سوى أيام قليلة على عودة المنتخبين من عطلتهم الصيفية حتى اشتعلت أجواء النقاش داخل الجماعات الترابية، مع اقتراب دورات أكتوبر العادية، التي تحولت إلى ما يُشبه “بازار انتخابي” تحت مسمى دراسة ميزانيات 2026. فبدل التركيز على المصلحة العامة، يتسابق رؤساء الجماعات وأعضاؤها على تمرير برمجة مالية تُفصَّل على مقاس الدوائر الانتخابية، في استعداد مبكر لمعركة شتنبر التشريعية المقبلة.

هذه الدورات، التي يطلق عليها في الأوساط السياسية “دورات الفلوس”، تكشف بوضوح كيف يتعامل المنتخبون مع المال العام كغنيمة انتخابية. فالاتهامات تتوالى حول توجيه النفقات لمشاريع ذات طابع شعبوي، بينما تُقصى قطاعات حيوية كالصحة والخدمات الأساسية. الأمر لم يقف عند حدود النقاش، بل تحول في بعض المدن الكبرى إلى مشاحنات عنيفة داخل قاعات المجالس وصلت حد التلاسن وتبادل الضرب بقنينات المياه والميكروفونات، في مشهد يفضح المستوى المتردي للنخب التي يفترض أنها تدبّر الشأن المحلي.

القنبلة التي فجرت الوضع كانت في النقطة المتعلقة بالتحويلات المالية، إذ اعتبرها بعض الأعضاء وسيلة “لإعادة ترتيب الأولويات”، بينما رأى آخرون أنها أكبر عملية التفاف على المال العام لتمويل حملات انتخابية قبل أوانها. الوثائق التي خرجت للعلن أكدت ما يقال: إلغاء 887 ألف درهم من ميزانية الأدوية، و50 ألف درهم من كراء القاعات، و250 ألفاً من الأثاث الإداري، في مقابل ضخ اعتمادات إضافية في الحضانات، ونقل الأطفال إلى المخيمات، واقتناء الكتب، وصيانة الطرق… وهي بنود لا تخفى رسائلها الانتخابية على أحد.

وفي ظل هذا العبث، يتضح أن بعض رؤساء الجماعات الذين يجمعون بين صفة رئيس جماعة ونائب برلماني يستعملون المال العام كسلاح انتخابي مزدوج، يضمن لهم التزكيات الحزبية ويُمهد الطريق أمامهم لتجديد ولاياتهم.

ما يحدث اليوم يطرح أسئلة حارقة: أين هي الرقابة الحكومية والوصاية الإدارية على هذه الميزانيات؟ وأي معنى للديمقراطية المحلية إذا تحولت الجماعات إلى مصانع لشراء الولاءات وتوزيع الامتيازات قبل الانتخابات؟ الأكيد أن “دورات الفلوس” عرّت حقيقة الكثير من المنتخبين، وأظهرت كيف يُحوَّل المال العام من وسيلة للتنمية إلى غنيمة انتخابية بلا حسيب ولا رقيب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى