حرب كورونا:هل تورط مدير منظمة الصحة العالمية في تقارير مغلوطة لتدمير اقتصاد العالم و سيطرة الصين
كثيراً ما حاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الصواب في تغريداته على تويتر، ما جعله أحد أكثر رؤساء العالم إثارة للجدل، لكن ما كتبه عن منظمة الصحة العالمية (WHO) لا ينطلق من فراغ. هذا ما تؤكده الكثير من التقارير عن واقع منظمة أخفقت في تبني استراتيجية واضحة ضد انتشار فيروس كورونا/ كوفيد-19
ترامب يهدد بتعليق دفع المساهمة الأمريكية في منظمة الصحة العالمية
“لقد أفسدت المنظمة الأمر بالفعل. لسبب ما، ورغم أنها ممولة من جانب الولايات المتحدة، إلا أنها تركز على الصين.. لحسن الحظ، رفضت نصيحتهم بإبقاء الحدود مفتوحة مع الصين في البداية، فلم أعطونا هذه النصيحة المغلوطة؟” يكتب ترامب على تويتر يوم السابع من أبريل ، قبل أن يهدّد بتعليق مساهمة بلاده في المنظمة التابعة للأمم المتحدة.
يمثل انتشار فيروس كورونا أكبر تحدٍ واجهه العالم منذ عقود، فقد انتقلت الوفيات من حالة وفاة وحيدة يوم 11 يناير إلى حوالي 90 ألفاً يوم التاسع من أبريل. وبالتالي ألم تملك منظمة الصحة العالمية مجالاً أكبر للتدخل وهي التي تتوفر على ميزانية ضخمة من التمويلات، بلغت 5.6 مليار دولار أمريكي حسب آخر تحديث عام 2019؟
تأخر في التعامل مع كورونا
ما دعم ترامب في كلامه، أن ما يقارب من 800 ألف مستخدم عبر العالم وقعوا عريضة على موقع تشانج/ change، موجهة إلى الأمم المتحدة، لأجل إقالة رئيس المنظمة، الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، من منصبه.
هاجم ترامب منظمة الصحة العالمية، فهل كان صادقا في كلامه؟
وتقول العريضة إن أدهانوم غير مناسب لهذا المنصب، ويتحمل جزءاً من مسؤولية انتشار الفيروس، إذ رفض يوم 23 يناير إعلان حالة الطوارئ العالمية، ما جعل عدد الوفيات والإصابات يتضاعف خمس مرات في ظرف خمسة أيام. ولم تعلن الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة إلّا يوم 30 يناير كما لم تصف انتشار الفيروس بالجائحة إلّا يوم 11 مارس الفائت.
وقبل هذا التاريخ، وتحديدا في 14 يناير ، قالت المنظمة إن التحقيقات الأولية تبيّن أن السلطات الصينية لم تعثر على أدلة كافية لتأكيد أن الفيروس ينتقل عبر البشر. لكن الكثير من الخبراء يعيبون على المنظمة تصديقها لمعطيات الحكومة الصينية، خاصةً أن هذه الأخيرة اعتقلت دكتوراً كان من أوائل من كشفوا الفيروس قبل أن تعلن عدة وسائل إعلامية عن وفاته في شهر فبراير بسبب الفيروس ذاته.
ويكتب فرانسوا غودمان، من معهد مونتين الفرنسي للسياسات، أن المنظمة ارتكبت خطأين رئيسيين: الأول عندما أخفقت في المعرفة المبكرة بأن العدوى تنتقل بين البشر، والثاني عدم إعلان كورونا جائحة دولية إلّا بعد تسجيل 118 ألف حالة في 114 بلداً، ما أثر على سياسات الدول التي تتبع إرشادات المنظمة، مبرزاً أن الصحة العالمية لم ترسل فريقاً إلى الصين للتحقيق إلّا في 13 فبراير ، أي بعد شهر ونصف من تسجيل أول إصابة.
ومن الأمثلة الجديدة على سوء توقعات المنظمة، ما أعلنته قبل أسابيع عن أن الكمامة غير ضرورية لمواجهة الفيروس، ، وأنه لا ينصح للأصحاء بارتداء الكمامة، ثم عادت المنظمة لتؤكد أنه يمكن للدول التي يصعب فيها غسل اليدين والتباعد الجسدي أن تستخدم الأقنعة في التجمعات، في وقت كانت الكمامة جزءا من التدابير التي اتخذتها الدول الآسيوية التي تمكنت من محاصرة الوباء، رئيس المركز الصيني لضبط ومراقبة الأمراض غاو فو كتب في مجلة “ساينس” قائلاً إن “الخطأ الكبير في الولايات المتحدة وأوروبا، برأيي، هو أن الناس لا يضعون الأقنعة الواقية”.
ولم تستمع المنظمة لتحذيرات أطلقتها تايوان نهاية 2019 بأن عدوى الفيروس الجديد يمكن أن تنتقل عبر البشر، ونقلت صحيفة “آسيا تايمز” أن حكومة تايوان أكدت أنها علمت حينئذ بوجود عدوى تنفسية في ووهان الصينية، ولذلك حاولت التواصل مع الصين والصحة العالمية بحثاً عن توضيحات، لكن الجواب الوحيد الذي تلقته تايوان لم يزد عن إيميل جاء فيه أن خبراء المنظمة سيحققون في الموضوع. وقد سبق لجريدة “فاينانشل تايمز البريطانية” أن توصلت بدورها لتجاهل الصحة العالمية للتحذيرات التايوانية.
ولم تبدأ مشاكل المنظمة في عهد غيبرييسوس، إذ يؤكد تقرير لشبكة سي ان ان/ CNN أن انتقادات كثيرة طالت المنظمة منذ إنشائها عام 1948، ومن ضمن ذلك البيروقراطية المعقدة وطريقة هيكلتها الغريبة، وعدم استقلاليتها عن المانحين ومعاناتها أحياناً من المخاوف السياسية . ورغم أن أدناهوم غيبرييسوس تعهد بإصلاح كبير للمنظمة، بعد الانتقادات التي طالتها بسبب عدم تدبيرها الناجح لوباء إيبولا في القارة الإفريقية، إلّا أن الواقع لم يتغيّر كثيرا مع كوفيد-19.
تستر على الصين
لكن أكبر الانتقادات بحق المنظمة ورئيسها، هو طريقة التعامل مع الصين، لدرجة أن تقارير صحفية وصفتها بـ”منظمة الصحة الصينية” وليست العالمية! ففي البيان الذي أعلنت من خلاله المنظمة حالة الطوارئ الصحية، كانت هناك إشادة مبالغ فيها بالصين، وبما أسمته المنظمة “التزام الحكومة الصينية للشفافية من أعلى درجة، والجهود التي بذلتها للتحقيق في تفشي الفيروس”.
وحسب افتتاحية مجلة “ناشيونال ريفيو” الأمريكية المحافظة، فإن الروابط بين أدهانوم والحكومة الصينية ليست جديدة، فقد دعمته في ترّشحه لرئاسة المنظمة عام 2017، لأجل أن يكون لها حليف داخل قيادات منظمات الأمم المتحدة، فـ “من كان المرّشح الأفضل من ناشط سياسي يملك تاريخاً من التستر على الطوارئ الصحية؟” تتساءل المجلة.
وتحيل المجلة على اتهامات من منافس لأدهانوم على منصب رئيس المنظمة عام 2017 بالتستر على ثلاث أوبئة كوليرا وقعت في إثيوبيا عندما كان أدهانوم وزيراً للصحة بهذا البلد. وتتابع “ناشيونال ريفيو” أن أدهانوم طمأن الحكومة الصينية أنه يتفق مع سياسة اعتماد دولة صينية واحدة لأجل استمرار منع مشاركة تايوان في منظمة الصحة العالمية.
وفي رده على الانتقادات حول مجاملة الصين، قال رئيس المنظمة في مؤتمر صحافي يوم 12 فبراير:” أعرف أن هناك ضغوطاً كبيرة على منظمة الصحة العالمية عندما نثمن ما تقوم به الصين، لكن ليس فقط بسبب الضغوط سنتوقف عن قول الحقيقة. فالصين لا تحتاج إلى طلب الثناء”، متابعاً: “لم تكن الصين البلد الوحيد الذي اعترفنا بعمله، فقد اعترفنا بجهود حكومات أخرى”، قبل أن يعود للتأكيد: “هذا فيروس خطير جداً، والصين قامت بالكثير من الإجراءات الجيدة التي أبطأته، وهذا يستوجب الاعتراف”.
في الجانب الآخر، يقول ميشيل كولينز، من منظمة مجلس العلاقات الخارجية/ CFR، إن تأثير الصين على المنظمة أمر واضح منذ انضمام بكين إلى الأمم المتحدة عام 1917، ويتجلى ذلك في استمرار منع انضمام تايوان للمنظمة، وهو ما جعل تايوان (إحدى أنجح الدول في مواجهة كوورنا) تعتمد على الصين للتوصل بالمعلومات التي تقدمها المنظمة للدول الأعضاء.
ورغم أن الولايات المتحدة تعدّ أكبر مساهم في المنظمة، إلّا أن كويلنز يبرز أن تطوّر الاقتصاد الصيني وعدد السكان الصينيين لم يكونا العاملين الوحيدين في مضاعفة الدعم الصيني للمنظمة، إذ لجأت بكين إلى رفع المساهمات التطوعية كذلك، في إطار سياسة صينية للتوسع في الأمم المتحدة مستغلة تراجع دور الولايات المتحدة، خاصة أن الصين “تظهر شريكا يُعتمد عليه بالنسبة للمنظمات غير المستقلة مالياً عن دعم الأعضاء كمنظمة الصحة العالمية”.