أخنوش يعدّ ويحصي… وواقع الحماية الاجتماعية يكشف ثغرات مرعبة

تحليل إخباري من إعداد :عبدالله مشواحي الريفي
ترأس رئيس الحكومة عزيز أخنوش اليوم الثلاثاء 16 شتنبر الجاري، اجتماع اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، حيث عرضت الحكومة أرقاماً رسمية عن تقدم التسجيلات واستفادات الأسر، لكن بين الأرقام اللامعة والواقع المعيشي لآلاف الأسر هناك فجوة عميقة لا تغطيها الإدّعاءات.
الحصيلة الرسمية تتحدث عن تسجيل نحو 22.5 مليون شخص في السجل الوطني للسكان، وحوالي 5.3 ملايين أسرة في السجل الاجتماعي الموحد، مع توسع تغطية التأمين الصحي لتصل إلى أكثر من 24.3 مليون مستفيد. كما أفادت الحكومة أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر شمل قرابة 4 ملايين أسرة، وصُرف منذ دجنبر 2023 ما يقارب 40,5 مليار درهم في شكل إعانات مباشرة.
لكن السؤال العملي الذي لا يجيب عنه البلاغ الرسمي: لماذا تُبقي الآلات الإدارية والخوارزميات آلاف الأسر الفقيرة خارج منظومة الدعم و أمو تضامن المخصص للتغطية الصحية؟ النظام الرقمي الذي يُفترض أن يكون أداة إنصاف أصبح في كثير من الحالات بوابة إقصاء. نقول «في كثير من الحالات» لأن شكايات متكررة من مواطنين لا تجد آذاناً صاغية تُشير إلى أن المشكلة ليست تقنية فقط بل منهجية في معايير الاستهداف وآليات التثبت.
الحكومة تصف الأرقام بأنها دليل نجاح؛ والمواطنون المسجونون في متاهات الإدراج والتصفية يصفونها بالجدار العازل. عندما يتحوّل «استهداف الأسر» إلى لعبة رقميات تُحدّد بمقتضاها استحقاق الأسرة من عدمه، من دون شفافية حول معايير التنقيط أو آليات الطعن، نحصل على جهاز اجتماعي ناقص الوفاء ومنفتح على أخطاء نظامية تكلف الفقراء الكثير.
لا يمكن أيضاً تجاهل بُعد التسيير: تصريحات الحكومة متبوعة بإجراءات وتعيينات أثارت، عند فئات واسعة، شكوكاً حول مدى استقلالية إدارة هذا الورش عن الحسابات الحزبية أو الإدارية الضيقة. ليس الادّعاء هنا اتهاماً شخصياً — بل ملاحظة: أي ورش اجتماعي بهذا الحجم يحتاج إلى ضمانات قوية للشفافية والمساءلة وإلى آليات مستقلة للتحقق من أهلية المستفيدين. إن افتقاد هذه الضمانات يفتح الباب أمام محاولات توظيف البرامج لأهداف سياسية أو إدارية غير معلنة.
الحديث عن صرف مئات الملايين ووضع أرقام مبهرة لا يفي بالمطلوب إذا استمرَّت حالات الحرمان داخل الأحياء والمدن والقرى. بيانات صرف الأموال والتوسع في التسجيلات لا تعني بالضرورة وصول الدعم إلى «من هم في أمس الحاجة إليه». تغييب آراء المجتمع المدني، وضعف آليات الطعن والاعتراض، وبطء معالجة الملفات المشكوك فيها كلها عوامل تزيد من حسّ الظلم لدى المتضررين.
ولأن الحكومة من حقها الدفاع عن إنجازاتها، فإن على الطرف الآخر — الدولة والحكومة على حد سواء — أن تقدم دليلين لا جدال فيهما: أولاً، قواعد شفافة ومعلنة لاستهداف الأسر تُتيح للمواطن فهم سبب إدراجه أو استبعاده؛ ثانياً، آلية مستقلّة وسريعة للطعن والتدقيق يملكها المجتمع المدني والهيئات الرقابية لضمان استرداد الحقوق في حال أخطاء التصفية. بدون هذين العاملين سنبقى أمام إحصاءات تتنافس في الأنا وتغيب الحقيقة الميدانية.
يمكن للحكومة أن تُنفق أرقاماً كبيرة وتصدر تقارير مفصّلة، لكن إن بقيت المعادلة “أرقام على ورق = عدالة اجتماعية” فاشلة، فإن النتيجة هي بقاء آلاف الأسر في الهشاشة، وانتقال العبء من منطق الحماية إلى منطق الإدارة البيروقراطية. المطلوب الآن ليس احتفاءً رقمياً، بل مراجعة جذرية لآليات الاستهداف، وشفافية حقيقية في التعيينات والتدبير، وآليات مساءلة تضمن أن كل درهم مُخصَّص للتضامن يصل فعلاً إلى مستحقيه.






